FINANCIAL TIMES

الواقع الافتراضي وسيلة لعلاج الأمراض النفسية

الواقع الافتراضي وسيلة لعلاج الأمراض النفسية

يدخل الطبيب النفسي إلى حانة افتراضية. أتبعه، وأنا أرتدي سماعة ونظارة الواقع الافتراضي. أدير رأسي لألقي نظرة على أرجاء المكان: أعلام تتدلى على الجدران وأجهزة تلفزيون تعرض ألعابا رياضية. وفي طاولة تقديم المشروبات المصنوعة من الخشب الغامق، يقدم لي شابان وفتاة مشروبا. وفي زاوية مجال رؤيتي، يظهر مقياس فيه درجات من واحد إلى عشرة، يطلب مني أن أقيّم مستوى القلق لدي.
لو كنت مريضة مدمنة على الكحول وفي سبيلي إلى التعافي، فإن هذا الموقف الافتراضي سيؤدي على الأرجح إلى إيقاظ رغبات لابد لي أن أتعلم مقاومتها. لحسن الحظ، معالجي هنا معي، يستخدم تطبيقا على جهاز آيباد ليوجهني في حال تعرضت إلى موقف صعب.
يستخدم الواقع الافتراضي الآن لعلاج الإدمان، من خلال مساعدة المرضى على تطوير استراتيجيات للتكيف، بينما هم يلعبون أدوارا في سيناريوهات تحدث في حانات وأماكن بيع المخدرات ودهاليز ضيقة. يمكن للواقع الافتراضي أيضًا توجيه الأفراد باستخدام "جوجل ستريت فيو" من خلال المواقع الفعلية التي يزورونها في حياتهم اليومية، حيث يتعرضون أكثر لخطر الانزلاق مرة أخرى إلى تعاطي الكحول أو المخدرات.
تجربة الواقع الافتراضي التي عشتها في تلك الحانة الافتراضية كانت مجاملة لشركة ليمبكس، وهي شركة ناشئة أسسها فريق كان يعمل سابقا على مشاريع الواقع الافتراضي، مثل "داي دريم" من "جوجل" و"أوكلوس" من "فيسبوك". وفي غرفة خلفية في مكتب "ليمبكس" في بالو ألتو، تمكنت من تجربة نسخة من مجموعة أدوات الواقع الافتراضي التي تخطط الشركة لتوزيعها على مستشفيات عبر الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بحلول نهاية العام.
عمر "ليمبكس" لا يتجاوز عامين، لكن لديها بالفعل طموحات كبيرة لاستخدام الواقع الافتراضي في معالجة القلق والاكتئاب والإدمان والألم والصدمة. ومع تمويل من شركة سيكويا لرأس المال الاستثماري، اجتذبت اهتمام أطباء في جامعات مثل ستانفورد وهارفارد وجونز هوبكنز. يعمل الباحثون مع ليمبكس على تطوير مشاهد الواقع الافتراضي التي يمكن استخدامها لاكتشاف مدى فعالية هذه التكنولوجيا في علاج مشاكل الصحة النفسية.
حتى الآن كان استخدام الأطباء الأكثر شيوعا للواقع الافتراضي يتركز على "العلاج التعرضي" exposure therapy - مثلا، وضع شخص يعاني رهاب الأماكن المرتفعة على حافة مبنى مرتفع - أو علاج اضطراب ما بعد الصدمة عند المحاربين القدماء. كما يستخدم أحيانا لصرف انتباه المرضى - غالبا الأطفال - الذين يعانون بعض الآلام، أو من هم على وشك الخضوع للتخدير.
يجري باتريك بوردنيك، الأستاذ في جامعة تولين، بحثا حول كيفية استخدام الواقع الافتراضي لعلاج الإدمان. ويقول إن عديدا من الدراسات أظهرت أن الواقع الافتراضي يمكن أن يحفز رغبة شديدة لدى المرضى، على نحو يسمح للمعالجين بالعمل معهم على تحديد المحفزات التي تحرك هذه الرغبة، وإعدادهم للموقف عندما يتعرضون له في الواقع. وتساءل قائلا: "هل وجوده في الحانه هو المحفز؟ أم هو صوت قرقعة الكؤوس، أم رؤية أشخاص آخرين يعاقرون الخمر؟".
بوردنيك متحمس للغاية بشأن الواقع الافتراضي، حتى إنه يدرب طلابه على كيفية دمجه في ممارساتهم. ويبحث أيضًا عن طرق أخرى يمكن أن تكون مفيدة، مثلا، في مساعدة عائلات المدمنين على التعاطف مع تجربتهم العلاجية. في هذه الأثناء، يتحدث جوناثان سوكيل، مدير العمليات في شركة ليمبكس، عن إمكانات الطب الوقائي. ويقول يومًا ما يمكن للأشخاص الذين تكتب لهم وصفة طبية تحتوي على أدوية أفيونية الحصول على جولة تعليمية في الواقع الافتراضي تعرض ما سيبدو عليه جسمهم بعد سنوات من الإدمان - يعتقد سوكيل أن هذا سيكون أقوى تأثيرًا بكثير من قراءة المنشور الصغير المرفق مع الدواء.
وبروح تعاونية ليست مألوفة أبدًا من شركات وادي السليكون الناشئة، تعمل ليمبكس على بناء منصة لأبحاث المختصين، تشبه إلى حد ما متجر تطبيقات للمعالجين. وقد عملت بشكل خاص ووثيق مع مركز الابتكار الوطني للصحة النفسية التابع لجامعة كولورادو. يقول مات فوجل، المدير التنفيذي للمركز، من المهم أن يدرك مهندسو وادي السليكون أن الأطباء سيرغبون فقط في الاستثمار في المنتجات التي يتم تصنيعها بمساعدة إخصائي الصحة النفسية.
من الواضح أن الواقع الافتراضي ليس دواءً ناجعًا لأزمة الصحة النفسية التي تحتاج إلى مزيد من التمويل وإلى مزيد من المعالجين. لكن شركات التكنولوجيا الكبرى تتعرض لضغوط لإظهار أن منتجاتها يمكن أن تحسن من صحة المستخدمين، بدلاً من تصيدها لهم من أجل أرباح إعلانية. وبدلا من التعديل على الميزات، مثل متعقبات "الوقت المستغرق" في استخدام الأجهزة أو أدوات المراقبة الأبوية الدقيقة، يمكنها أن تكون أكثر طموحا, في الواقع، هي فكرة جيدة جدا وعليهم تتبع شركة ناشئة تتعامل مباشرة مع أصعب التحديات في وقتنا الحالي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES