FINANCIAL TIMES

«باركليز» اللاعب المصرفي العريق .. كيف سقط في فخ «الأوفسايد»؟

«باركليز» اللاعب المصرفي العريق .. كيف سقط في فخ «الأوفسايد»؟

«باركليز» اللاعب المصرفي العريق .. كيف سقط في فخ «الأوفسايد»؟

«باركليز» اللاعب المصرفي العريق .. كيف سقط في فخ «الأوفسايد»؟

«باركليز» اللاعب المصرفي العريق .. كيف سقط في فخ «الأوفسايد»؟

«باركليز» اللاعب المصرفي العريق .. كيف سقط في فخ «الأوفسايد»؟

منذ وقت ليس ببعيد، كانت الأعمال المصرفية بسيطة نسبيا، وكان تركيزها الأساسي على قبول الودائع والإقراض.
على أن التحول قد حدث في ثمانينيات القرن العشرين، إذ تغير كل شيء باجتياح موجة قوية من تحرير الأنظمة الصناعة المالية، بفضل رونالد ريجان ومارجريت تاتشر.
تحولت الروح الحصيفة الشبيهة بشركات المنافع لدى المصارف إلى ثقافة تتسم بالاندفاع دون تدبر نحو تعظيم الأرباح على الأمد القصير.
تداول المشتقات المالية – المقايضات والعقود الآجلة والخيارات وما إلى ذلك – انتشر بشكل ضخم، في حين كان يتم تعليب القروض على شكل أوراق مالية، ويتم إبعادها عن الميزانيات العمومية للمصارف، ما سمح لها بتقديم مزيد من القروض أكثر حتى من قبل.
الشبان المتعطشون للمكافآت "والمرأة الغريبة" في قاعات التداول الضخمة، كانوا يعملون مثل قتلة مأجورين، دون الشعور بأي ولاء لأصحاب العمل.
أخذت المصارف الدولية الكبرى على عاتقها كميات متزايدة من المخاطر ذات الصلة القوية بتناقص وسائد رأس المال.
وبلغ هذا التحول ذروته في الأزمة المالية الكبيرة في الفترة 2007-2008، التي أظهرت أن الاقتصاد العالمي أصبح رهينة لقطاع مالي متضخم ومتهوّر.
واليوم، حتى بعد تشديد القوانين التنظيمية بعد الأزمة، يمكن القول إن المصارف الكبيرة تظل معقدة للغاية، وتفتقر إلى الشفافية إلى درجة أنه لا يمكن السيطرة عليها.
تستمد هذه الحجة دعما لا يستهان به من كتاب فيليب أوجار الجديد حول بنك باركليز.
في كتاب "المصرف الذي عاش قليلا"، يقدم هذا المصرفي السابق سردا رائعا ممتعا في قراءته، يستند إلى معرفة استثنائية بمعظم المشاركين، لتحويل المصرف القديم الذي أسسه اثنان من طائفة الكويكرز، إلى مغامر رأسمالي في غاية الطموح والاندفاع.
على أحد المستويات، هي حكاية لمعركة جارية تدور رحاها حول الاستراتيجية بين الذين هم في قمة بنك باركليز، الذين يريدون أن ينضموا إلى نادي المصارف العالمية البارزة، وبين الذين يريدون تركيزا محليا أكثر - وهو توتر أثر على مصارف كبيرة أخرى في جميع أنحاء أوروبا.
على مستوى آخر، يتحدث الكتاب عن تزايد أهمية الحي المالي في لندن في الحياة الاجتماعية والاقتصادية لبريطانيا. يجلب أوجار مهارة الطب الشرعي إلى مهمة تأريخ التغير في روح العمل المصرفي، ويظهر كيف كان يعاني حتى الموهوبين جدا لإدارة المخاطر والتحديات الاستراتيجية للسوق المالية العالمية الجديدة.
ليس هناك شك في أن كثيرا من كبار التنفيذيين في بنك باركليز كانوا أشخاصا استثنائيين. لنأخذ ثلاثة منهم على سبيل المثال لا الحصر: اللورد كامُويز، مهندس استجابة بنك باركليز لـ"الفرقعة الكبرى"، أي التحرير التنظيمي لبورصة لندن في عام 1986، فقد كان صاحب رؤية أن المصارف الاستثمارية الكبرى كانت تتحدى أعمال الإقراض التقليدية للمصارف التجارية القديمة.
في هذا العالم الجديد، بدلا من الإقراض ببساطة للعملاء، احتاج بنك باركليز أيضا إلى جمع الأموال – والكثير منها – في أسواق رأس المال عن طريق بيع وتداول الأوراق المالية في السندات والأسهم للمستثمرين.
للقيام بذلك اشترى في الفترة التي سبقت الفرقعة الكبرى شركة ود ديورلاكر Wedd Durlacher المشهورة بالتداول في الأسهم، التي هي صانعة سوق في الأوراق المالية، وشركة الوساطة دي زويته آند بيفان De Zoete & Bevan. المرض منع كامُويز من لعب دور كامل في تنفيذ الرؤية، لكن بنك باركليز كان في المرتبة الثانية فحسب، بعد نظيره إس جي ووربيرج SG Warburg في قوة عمليات الاستحواذ وتماسك استراتيجيته.
الثاني هو مارتن تايلور، الذي أصبح الرئيس التنفيذي في عام 1994، وقام بعمل رائع كرئيس تنفيذي لشركة الأنسجة كورت أولدس تكستايلز Courtaulds Textiles، وهي شركة واجهت عددا لا يحصى من التحديات في قطاع يشهد التراجع.
في بنك باركليز الأكبر حجما بكثير، جلب الصحافي السابق في فاينانشيال تايمز قدرة فكرية هائلة، وكان على استعداد للتصدي للحقيقة المزعجة التي تقول إن المصرفية الاستثمارية لا تسهم بشي يذكر في أرباح بنك باركليز.
كان متشككا في طموحات سلفه في التصدي للمصارف الكبيرة في وول ستريت، وقرر بجرأة أنه يجب بيع الأقسام التي تتعامل في الأسهم وتمويل الشركات.
من سوء الحظ، أن البيع تزامن مع الأزمة المالية الآسيوية في أواخر التسعينيات، وتم تنفيذه بشكل سيء.
عندما اقترح تايلور في وقت لاحق بيع بقايا المصرف الاستثماري بعد أن تكبد خسائر كبيرة في روسيا، فشل في إقناع مجلس الإدارة، وشعر أنه مضطر إلى الاستقالة.
الأكثر إثارة للاهتمام من بين الرؤساء التنفيذيين في بنك باركليز كان الأمريكي بوب دياموند. دياموند، وهو متداول سابق في الدخل الثابت في بنك مورجان ستانلي وشركة سي إس إف بي، أعاد بناء المصرف الاستثماري بعد رحيل تايلور، وحوّله إلى أول مصرف استثماري تنافسي عالميا في المملكة المتحدة.
فعل ذلك دون إنفاق سنت واحد على عمليات الاستحواذ، وعن طريق اقتناص المواهب من أصحاب العمل السابقين له. بحلول الوقت الذي صعد فيه إلى الوظيفة العليا في عام 2011، كان بنك باركليز كابيتال، المصرف الاستثماري، يشكل أكثر من نصف أرباح المجموعة وحقق نسبة استثنائية بلغت 16 في المائة على رأس المال السهمي. الكأس المقدسة للمصرفيين النخبة في لندن كانت دائما هي اقتحام وول ستريت والتصدي لعمالقة المصارف الأمريكية. لم ينجح أي منهم في ذلك، على الرغم من أن سيجموند واربورج كاد أن يدمج شركة إس جي ووربيرج SG Warburg مع مصرف الاستثمار الأمريكي كوهن لوب Kuhn Loeb في الستينيات.
على أن تلك الصفقة قد انهارت بسبب خلافات شخصية. ومع ذلك، حيث فشل واربورج الأسطوري، نجح دياموند، بدعم ملحوظ من جون فارلي، الذي كان الرئيس التنفيذي في ذلك الحين.
عندما انهار بنك ليمان براذرز في عام 2008، اشترى بنك باركليز أقسام الأسهم وتمويل الشركات – الأجزاء غير السامة – مقابل سعر بسيط للغاية.
وبذلك أصبح المصرف من أكبر خمسة مصارف عالمية، حيث احتل مكانه إلى جانب مصارف مثل جيه بي مورجان وجولدمان ساكس ومورجان ستانلي.
في الوقت نفسه، حين كان دياموند رئيس مجلس ذراع إدارة الصناديق في المصرف، أي "بي جي آي" Barclays Global Investors BGI في باركليز من 2002 إلى 2008، ارتفعت الأرباح من 110 ملايين جنيه استرليني إلى 595 مليون جنيه استرليني. عندما بيعت "بي جي آي" BGI إلى مجموعة إدارة الصناديق بلاك روك BlackRock في حزيران (يونيو) 2009، جلبت ربحا لبنك باركليز مقداره 6.3 مليار جنيه، وهو تعزيز ذو قيمة ضخمة، فقد كانت النسب الرأسمالية في المصرف تتعرض لضغوط خلال الاضطراب المالي الذي تمكن المصرف بالكاد من النجاة منه، وعدم الخضوع لخطة إنقاذ حكومية.
مع ذلك كانت هناك بعض العراقيل غير المتوقعة: في حين كان دياموند بانيا رائعا لأقسام الأعمال، لم يتمكن قط من السيطرة بشكل كاف على المصرف الاستثماري. السبب في خسارة بنك باركليز كابيتال كثيرا من المال في روسيا، هو أن دياموند وضع كثيرا من الثقة فوق الحد في المتداولين الذين موهوا الأطراف المقابلة من الروس، وأظهروهم على أنهم سويسريون أو أمريكيون من أجل انتهاك حدود الإقراض المفروضة على روسيا، التي كانوا يرون أنها تقييدية بشكل لا مبرر له.
إلى الحد الذي يقال فيه إن المجموعة الموسعة لها قيم مشتركة، نشأت هذه القيم حول السعي إلى المكافآت.
في السنوات التي أعقبت الأزمة المالية، أصيب بنك باركليز بمشاكل كبيرة بسبب التسريبات عن المتداولين الذين كانوا يتلاعبون بسعر فائدة ليبور "سعر الإقراض لليلة ما بين المصارف في لندن" – النقطة المرجعية لكل شيء من أسعار بطاقات الائتمان إلى القروض الطلابية والقروض العقارية – إلى جانب كثير من الأشكال الأخرى من مخالفات السوق.
وفي الوقت نفسه، استغل مصرف التجزئة العملاء من ذوي الحظ السيء وأقنعهم بشراء المشتقات السامة. وفضلا عن كونه غير حساس في تعاملاته مع بنك إنجلترا "المركزي" والأجهزة المنظمة، لم يكن دياموند يكترث للرأي العام، خاصة فيما يتعلق بالأجور.
حزمة راتبه في عام 2009، عندما كان بنك باركليز في الأصل المستفيد من دعم الدولة من خلال خطط ضمان السيولة والائتمان الخاصة لبنك إنجلترا، بلغت 27 مليون جنيه. وعلى الرغم من أنه رفض مكافآت الأداء لعام 2009، إلا أن هذا الرقم أثار غضبا بين السياسيين والجمهور. وجنبا إلى جنب مع فضيحة ليبور، تسبب ذلك في قيام ميرفن كينج، محافظ بنك إنجلترا، بالضغط على المجلس لطرد دياموند.
أوجار يرسم لنا بمهارة هذه الحكايات الصغيرة والحكايات الخاصة برؤساء مجلس إدارة بنك باركليز وغيرهم من الرؤساء التنفيذيين.
وهو يرمي بلائمة دامغة على غير التنفيذيين قبل وأثناء فترة الأزمة المالية، مشيرا إلى أنهم فشلوا بالكامل في تقديم تحد بناء للسلطة التنفيذية، أو الإصرار على مناقشة كافية للاستراتيجية. إحدى القصص القوية في الكتاب تتعلق بقرار المجلس بنقض قرار أليسون كارنْوُوث، رئيسة لجنة المكافآت، التي طالبت بالحد من الأجور المفرطة.
في مناقشته للتراجع الهائل في معايير السلوك في القطاع المصرفي، يقدم أوجار مقارنة مفيدة ومنيرة مع كرة القدم في الستينيات، عندما أدى إلغاء الحد الأقصى لأجور اللاعبين ووصول الأموال الكبيرة من التلفزيون إلى جعل الإغراء بالتظاهر بالإصابة أو المجادلة مع الحكم أمرا لا يقاوم. لقد تم التسامح مع روح اللعب لأن الجميع كان يفعل ذلك.
وهذا حدث أيضا في الأعمال المصرفية بعد الفرقعة الكبرى. المكافآت المرتفعة والقانون التنظيمي الضعيف ومطالبات المساهمين قصيرة الأجل أفسدت الأعمال.
ما حدث في بنك باركليز كان من أعراض التراجع في المعايير السلوكية على نطاق النظام المصرفي. تحولت المصرفية إلى منطقة خالية من الأخلاقيات.
في الفترة القصيرة التي تولى فيها أنتوني جينكنز منصب الرئيس التنفيذي من عام 2012 إلى عام 2015، بذل جهودا حثيثة لغرس قيم أفضل عبر المجموعة.
بيد أنه ما دامت الحوافز القائمة على الأداء لا تزال هي الأساس في المكافآت المصرفية، فإن محاولات تحسين السلوك ستكون بالتأكيد صراعا شاقا.
يحكي المؤلف حكاية تخطف الأنفاس ويرويها بشكل مشوق للغاية. نعلم، على سبيل المثال، أن جون ماكفارلين، الرئيس الحالي لمجلس إدارة باركليز، جعل تصميم جناح مكتبه وفقا لتعليمات مستشاره في شركة فينج شوي، وهو شخص يدعى وونج، لإيجاد جو من الطاقة الإيجابية. ونعلم من الكتاب أين وماذا كان الناس يشربون عندما كان يتم اتخاذ القرارات الحيوية.
إذا كان لديّ اعتراض، فإني أرى أن من الغريب أن يلقي الكتاب قدرا فوق الحد من اللوم على المصرفيين. صحيح أن رواتبهم كانت زائدة عن الحد، وكانوا يدخلون في مخاطر مفرطة، لكنهم فعلوا ذلك في عالم مختل من الناحية النقدية.
السياسة النقدية غير المتماثلة، التي بموجبها وضعت المصارف المركزية شبكة أمان لوقاية الأسواق الهابطة، دون تحديد أي سقف لها عندما ارتفعت الأسعار، ولدت فقاعة العقارات العالمية.
في الأسواق الرأسمالية قصيرة الأجل اليوم، يتعرض المصرفيون للشجب من قبل المستثمرين إذا فشلوا في الانضمام إلى الحفلة.
في المقابل، حصل مسؤولو المصارف المركزية – حتى الآن – على رحلة سهلة، لكن هذا اعتراض بسيط.
إن كتاب فيليب أوجار هو فيلم مثير وتذكرة بأن الأعمال المصرفية رائعة، لأن كل الحياة البشرية موجودة فيها.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES