default Author

الحياة .. والمعايير المميزة «2 من 2»

|

يمكن القول إن إشكال المعايير المميزة للحياة سيظل يطاردنا أكثر من أي وقت مضى؛ كوننا نعيش اليوم حياة أطول. نحن لسنا مثل أسماك السلمون في المحيط الهادئ، التي تسبح في اتجاه المنبع لتبيض، فقط لتموت بعد ذلك مباشرة. وكما يوضح مثال ديريك فإن حياة الإنسان العاقل أقل وضوحا. فطول فترة حياة الإنسان تسهم في توسيع فراغنا الوجودي.
في كتابه "الأخلاق النيقوماخية"، يرى أرسطو أننا نحتاج إلى التمييز بين اللذة الحسية hedonia والقيم الخيرية والعقلية eudaimonia للوصول إلى السعادة القصوى. تعزى اللذة الحسية إلى الاحتياجات الذاتية التي يؤدي الشعور بالرضا عنها إلى متعة مؤقتة. وعلى النقيض فإن القيم الخيرية والعقلية، هي حالة أكثر موضوعية للسعادة؛ أي أن نعيش حياتنا جيدا. بحسب أرسطو، السعادة أكثر من مجرد ملذات مؤقتة. فللوصول إلى السعادة الحقيقية نحتاج إلى إدراك إمكاناتنا. ويبدأ معنى حياتنا عندما نفهم من نحن وكيف نستطيع أن نتأقلم مع عالمنا.
لاحظ الطبيب النفسي فيكتور فرانكل عندما كان سجينا، من خلال تجربته الشخصية، أن السجناء الذين لديهم فرصة أكبر للنجاة ليس من يتمتعون بلياقة بدنية أكبر، بل أولئك الذين يتمتعون بمعتقدات أقوى. ولاحظ أنه بمجرد أن يفقد السجين الأمل، يصبح محكوما عليه بالفشل. لذا كانت قدرتهم على إيجاد المعنى هي السبب في نجاتهم.
من وجهة نظر وجودية، فإن حالة الاكتئاب التي سيطرت على ديريك، لن تجعله مدركا وفاته فحسب، بل تحدته أيضا للخروج من ردائه الذي طالما ارتداه. كان عليه أن يدرك أننا لسنا مجرد منتج لعامل الوراثة والبيئة، وأننا نمتلك القدرة على اتخاذ القرارات وتحمل مسؤولية حياتنا.
الآن أصبح أطفاله أشخاصا مستقلين، ويجب على ديريك إعادة اكتشاف قيمة حياته وإيجاد هدف لها، وأن يعول على الماضي والحاضر والمستقبل، وأن يسعى جاهدا إلى تحريك ما بداخله. بعد ذلك، في حال لم يدرك ماهية ما هو عليه، لن ينجح أبدا في إيجاد إجابات. وللمضي قدما يجب عليه التركيز على الأمور التي يحبها، وتوظيف مهاراته ومعارفه لمصلحة ما يجعله يشعر بوجوده على المدى الطويل. مع ذلك، وبعيدا عن القيم الخيرية والعقلية ـ مخاوف حول عيش حياته بشكل أفضل ـ يجب ألا ينسى ديريك أن يولي اهتماما للذة الحسية من خلال إيجاد خبرات ولحظات سعيدة.
بالنسبة لأرسطو وفرانكل، الهدف هو الأهم في الحياة، وتزداد الحاجة إلى الهدف بشكل خاص عقب التقاعد ـ عندما لا نستطيع الاعتماد على عمل منتظم ينظم حياتنا اليومية. وفي حال عجزنا عن إيجاد إجابة عن مسألة الهدف، ستبقى حياتنا سطحية وفارغة على الرغم من توافر الموارد.
الأفراد الذين يمتلكون إحساسا عاليا بالهدف، والذين ينجحون في إيجاد طرق جديدة لإيجاد معنى لحياتهم، يمتلكون وصفة ناجحة كي يعيشوا باقي حياتهم بصحة وسعادة. يأتي ذلك إلى جانب عوامل رئيسة: الهدف من الحياة هو العيش في سبيل الآخرين. فالتشابه مع الآخرين، ونسيان ماهية أنفسنا، قد يوجد شعورا كبيرا بالرضا. وجدنا بناء على ذلك أمرا بالغ الأهمية، العلاقة التكافلية بين السعادة الشخصية وسعادة البشرية والكون.
بمجرد أن قمنا بكل ذلك وأصبحنا جاهزين، فقد حان الوقت لأن نسأل أنفسنا كيف نوائم العوامل التي تعزز سعادتنا الشخصية مع الآخرين الذين يعملون في سبيل سعادة الجماعة أو العالم. وكما قال ديسموند توتو، الناشط الحقوقي الجنوب إفريقي الحائز جائزة نوبل للسلام: "إنسانيتي مرتبطة بك، فبذلك نستطيع أن نكون جميعنا".

إنشرها