FINANCIAL TIMES

حكايات صقور المالية العامة لا تنطلي على الشباب

حكايات صقور
 المالية العامة 
لا تنطلي على الشباب

حزمة الحوافز الجديدة من المالية العامة في الولايات المتحدة اجتذبت مجموعة من التحذيرات بشأن مخاطر ارتفاع العجز الفيدرالي.
من المفهوم أن نشكك فيما إذا كان الاقتصاد الأمريكي بحاجة فعلا إلى دعم إضافي بالنظر، مثلا، إلى الزيادة المشجعة في المشاركة في سوق العمل التي شوهدت في تقرير الوظائف عن شهر تموز (يوليو). هناك بعض المخاوف التي يمكن الدفاع عنها، إلى الحد الذي يمكن فيه للحوافز من المالية العامة أن تستنزف الآن رغبة صناع السياسة في اتخاذ مزيد من الإجراءات عندما يكون الاقتصاد بحاجة إليها فعلا. لكن مناقشة مثل هذه الخيارات في السياسة الاقتصادية دون الاعتراف بجوانب المنظور السياسي الكامن وراءها هي إفراط في التبسيط في أحسن الأحوال، ودليل على المراوغة في أسوأ الأحوال.
يمكن العثور على مثال بارز على ذلك في التحذيرات من بعض صقور المالية العامة حول الكيفية التي ستغرق بها الأسواق المالية بسبب موجة السندات الحكومية اللازمة لتمويل التحفيز. بعد سبعة أشهر على إقرار الحزمة، تحوم عوائد سندات الخزانة لأجل عشر سنوات حول 2.8 في المائة. صحيح أن أسعار الفائدة على السندات قصيرة الأجل أعلى، إلا أن هناك بعض الإجهاد في الأسواق التي ينفذ الاحتياطي الفيدرالي من خلالها سياسته، لكن الطلب على سندات الخزانة يظل مستمرا.
كان هناك أكثر من دولارين في المزايدات مقابل كل دولار من سندات الخزانة المبيعة هذا العام، حتى مع تراجع الاحتياطي الفيدرالي عن المزادات في الوقت الذي يقلص فيه ميزانيته العمومية. في الواقع كان الوكلاء والوسطاء الماليون يشترون كميات أقل مما كانوا يفعلون تاريخيا، حتى مع شراء المستثمرين الأجانب بشكل أقل أيضا. إذن لماذا الطلب إذا كانت حكومة الولايات المتحدة تعابث الكارثة عن طريق تضخيم العجز في ميزانيتها خلال التوسع الاقتصادي؟ أين حراس السندات الذين نسمع عنهم كثيرا في القصص؟
اتضح أنه إذا كانت سندات الخزانة قصيرة الأجل استثمارا جيدا في وقت العائدات المنخفضة، فإنها تمثل استثمارا أفضل في وقت العائدات الأعلى، ومع رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة يظل الطلب على السندات قصيرة الأجل قويا حتى مع أن معظم الزيادة في إصدار سندات الخزانة الأمريكية هذا العام جاءت في أوراق مالية قصيرة الأجل. وبحسب بيانات من وزارة الخزانة، اشترى المستثمرون المؤسسيون 30 في المائة من سندات الخزانة، تبلغ قيمتها 3.8 تريليون دولار، في المزادات هذا العام، أي ما يقارب ضعف المتوسط طويل الأجل منذ عام 2009.
الشيء نفسه ينطبق على الأذونات القصيرة ومتوسطة الأجل والسندات طويلة الأجل، التي لم تشهد زيادات متناسبة في العائدات. اشترى المستثمرون المؤسسيون 41 في المائة من سندات الخزانة التي بيعت في المزاد هذا العام، أي أكثر من المتوسط طويل الأجل البالغ 33 في المائة.
قد يكون فشل البيع المكثف في سندات الخزانة فرصة جيدة لصقور المالية العامة ليكونوا أكثر صراحة بشأن الافتراضات الضمنية الواردة في مخاوفهم حول الميزانية الفيدرالية.
ولأن المقترضين الأمريكيين يقترضون بعملتهم، فإن التحذيرات بشأن الإفراط في إصدار سندات الخزانة هي في الواقع تقع في طيفين: زيادات ضارة في التضخم، أو جرعة من سوء الإدارة السياسية التي يبلغ من حدتها أنها ستؤدي إلى إعسار فني من جانب الولايات المتحدة. تنطبق كلمة "فني" هنا لأنه، على عكس سندات الشركات، لا يوجد إطار قانوني لوزارة الخزانة للتخلف عن سداد التزامات أوراقها المالية، وذلك وفقا لخدمة أبحاث الكونجرس.
وعلى مدى العقد الماضي اقتربت الولايات المتحدة من واحد من الأيام الكارثية في المالية العامة، وكان ذلك مدفوعا بمنظور متشدد بشكل مفرط حول المالية العامة. حينها اقترب الكونجرس بشكل خطير من اختراق سقف الديون، حيث جادل بعض الجمهوريين بأن الحكومة الفيدرالية بحاجة إلى ضبط شؤون ميزانيتها مثل الأسرة.
الآن نجح المشرّعون الأمريكيون في تثقيف جيل حول مخاطر المعارضة المتزمتة للديون الحكومية، وجعل التقشف تهديدًا ملموسًا للأمريكيين الشباب أكثر من التضخم الضار. لا عجب إذن أن ألسكاندريا أوكاسيو-كورتيز، التي تصف نفسها بأنها اشتراكية ديمقراطية، انتُخِبت أخيرا لتمثيل نيويورك في الكونجرس. فهي تؤيد وجهة النظر الشعبية المتزايدة التي تنص على أن القيود المفروضة على الإنفاق الحكومي يحددها في المقام الأول المبلغ الذي تستطيع اقتراضه بعملتها دون الحاجة إلى تغذية التضخم – وليس إيراداتها الضريبية السنوية.
قد يجد بعض الاقتصاديين هذا المنظور تحرريا إلى درجة غير مريحة، لكنه ليس بالضرورة غير دقيق. فهو يعترف بالطلب العالمي على سندات الخزانة الأمريكية، التي هي تصوير أكثر أمانة للوضع المالي للحكومة من وزارة الخزانة التي لا تستطيع سوى إنفاق المبلغ الذي تجمعه من خلال إيرادات الضرائب في أي سنة معينة.
اشتهر ميلتون فريدمان بالقول إن التضخم "دائمًا وفي كل مكان هو ظاهرة نقدية". لذا فإن الذين يزعمون أن الاقتراض الحكومي يؤدي إلى تسارع في التضخم يعترفون ضمنيًا بأن سندات الخزانة تشبه الأموال أكثر من كونها عبئا مرهقا إلى درجة عالية من الديون.
فيما وراء ذلك، عندما يتعلق الأمر بارتفاع الأسعار، هناك حاجة إلى مزيد من الأدلة لكي نجادل بأن التضخم المدفوع بالأجور يضر بالمستهلكين. ولا سيما أن المساهمين هم الذين تتراجع هوامش شركاتهم بسبب ارتفاع الأجور، وحاملو السندات الذين يتضررون بسبب التضخم بغض النظر عن مصدره.
بدأ الأمريكيون، ولا سيما الشباب منهم، في التشكيك في الافتراضات التي تكمن وراء المعارضة القطعية من صناع السياسة لاقتراض الحكومة الفيدرالية. بالنسبة للصقور الذين يبدون تنبؤات متشائمة، ذات دوافع سياسية، حول صحة المالية العامة في الولايات المتحدة، قد تكون صدقيتهم الخاصة هي التي ينتهي بها المطاف أن تدفع الثمن.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES