default Author

تجنب المثالية

|
حين تكون شخصا يطلب المثالية والكمال في كل شيء، تشعر مع مرور السنين بأن حياتك، سعادتك، راحتك، فرحتك بإنجازاتك، حتى ثقتك بنفسك قد سلبت منك، تفقد تصالحك مع نفسك وتشعر بحرب داخلية، أصغر الأمور يرهقك ويثقل كاهلك، وفي النهاية تجد نفسك قد دخلت في دائرة الإحباط؛ لأنه لا شيء في نظرك يبدو جيدا، وحش الكمال يحيطك من كل جانب، يلف أذرعه المتعددة حولك حد الاختناق. ما الذي يدفعك لكل هذا العذاب؟ اسأل نفسك عن الأسباب؛ لتستطيع الهرب من وحش المثالية والكمال: هل هو الحصول على إعجاب من حولك، أم صورتك التي رسمتها لنفسك؟ هل هو الشعور بقيمتك التي ربطتها دون أن تعي بمقدار إنجازاتك؟! إن الدقة المتناهية التي يتطلبها الوصول إلى الكمال، تغرقك في بحر من الألم والحزن والمرض. فقد أثبتت الدراسات على مر السنين، أن الكماليين أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة الأمعاء المتهيجة، وأغلبهم تتطور لديهم الحالة لتتحول إلى الإصابة المزمنة بالقولون العصبي بسبب هوس الكمال، كما يعانون اضطرابات النوم والأرق المستمر؛ بسبب قلقهم وخوفهم من الفشل. وهم أكثر عرضة لأمراض القلب بثلاث مرات من الآخرين، والأسوأ أن تعافيهم أبطأ من الأشخاص الإيجابيين والأقل توقعات في الحياة. وللخروج من هذا النفق المظلم، والتحرر من سجن الدقة الزائدة والكمال، إلى العالم الأرحب، إلى التوازن والإحسان، عليك بداية التحلي بالصبر، فالنجاح ليس محطة وصول، إنما مراحل وخطوات وخبرات تتراكم لتصل بك إلى القمة، وقد تكون مملة ومحبطة، لكن صبرك ومثابرتك وتفاؤلك سيجعلك تتخطاها. استمتع بما تفعل، لا تركز على النهايات، فقد تتعب في التحضير لحفل ما وتكون كل تحضيراتك كاملة، ويحل حدث مفاجئ يفسد الحفل، وهنا تشعر بأن العالم ينهار من حولك، لكن لو كنت مستمتعا بمراحل التحضير ولم تشعر بالتوتر والخوف من الفشل، لاتسعت رؤيتك للأمور، ولتوقعت الأسوأ، فيصبح كل جزء في الحفل إنجازا لك، ولظهر العمل بالشكل الذي تريد دون أن تستهلك طاقتك وتفقدك استمتاعك بالنجاح. لا تقف عند نقطة كل شيء أو لا شيء، ماذا يحدث لو حصلت على جزء أو بعض، أليس أفضل من اللا شيء، كن مقتنعا بأنه لا أحد حقق النجاح دون أن يمر بمراحل من الفشل والإحباطات والأخطاء.. المخترعون الدهاة لم يصلوا إلى اختراعاتهم في لمح البصر، ولم ينهضوا ليجدوا آلة تعمل أمامهم من لمسة سحرية، بل عانوا وفشلوا مئات المرات، وفي النهاية خُلدت أسماؤهم، لم يعد أحد يذكر أو يعرف عن فشلهم. اتبع قاعدة 20 /80، واقبل بأن ما أنت فيه لن ينتهي أبدا، لذا احتفل بالقليل من النجاح، واسعد بما تظنه تافها، فهو مفتاح خروجك من عتمة الكمال.
إنشرها