Author

«هيئة التلفزيون» .. وتحديات المحتوى

|
خلال الأشهر السابقة، شهدت هيئة الإذاعة والتلفزيون حراكا تطويريا ملحوظا، يراه بعضهم بداية لتغيير كبير، يشمل مفاهيم وممارسات إعلامية، ترسخت سابقا بطريقة روتينية مملة، ويراه آخرون مجرد حماس يواكب تعيين بعض القيادات، ثم لا يلبث أن يضيع وينتهي تحت سيطرة الأداء الفردي ودهاليز البيروقراطيين والتقليديين، الذين يمسكون بمفاصل المؤسسات الخدمية. ولو نظرنا إلى الحملة الإعلامية، التي أطلقتها "هيئة التلفزيون"، وكمية البرامج التي طُرحت، وكذلك البرامج والمسلسلات التي تم شراء بث حقوققها؛ لاستقطاب أعلى نسبة من المشاهدين، ومنافسة القنوات الفضائية الأخرى، لوجدنا النتائج ما زالت ضمن حراك البدايات، الذي قد يثير ردود فعل وقتية، لكنه لا يترك الأثر المأمول، وأنا هنا لا أقلل من جهود الزملاء، ولكن في تقديري أن الرغبة في تحقيق نتائج قصيرة وسريعة كانت طاغية على الأداء بشكل لافت، وفي حجم المنافسة الهائلة على صناعة محتوى مؤثر، كانت القنوات المتنافسة، بما فيها قنوات "هيئة التلفزيون" بكل ما لديها من إمكانات بشرية ومادية، لم تستطع صناعة محتوى مؤثر كما تم في برنامجي "من الصفر"، الذي أنتجته محطة "إم بي سي"، و"قلبي اطمأن" الذي أنتجته قناة دبي الفضائية. لقد حقق البرنامجان تأثيرا فارقا في خريطة البرامج المقدمة، وملايين المشاهدات على التلفزيون وعلى موقع "يوتيوب"، وتناقلت مواقع التواصل تفاصيل كثيرة، كان المشاهدون يبحثون عنها، وهنا تحدي المحتوى الذي تتنافس عليه الأجهزة الإعلامية، وهذا النجاح لم يكن وليد المصادفة، بل كان نتيجة تخطيط طويل لتجسيد أفضل الأفكار الإبداعية، وتحويلها إلى منتج مدهش في كل تفاصيله المعلوماتية والبصرية، وكان تكامل النص والصورة والموسيقى وحضور الضيوف والمذيعين يخبرك إلى أي مدى كان التعب والتخطيط حاضرا في كل التفاصيل. وكم كنت أتمنى لو أنتجت "هيئة التلفزيون" برنامجا فارقا مؤثرا ينافس هذه البرامج، وربما نعذرهم لضيق الوقت سابقا، لكن المستقبل مليء بالأفكار، والفضاء مليء بالمبدعين، ولا عذر في تعزيز التنافس مع الآخرين. وفي تقديري، أن "الهيئة" تستطيع صناعة محتوى متطور لكل قنواتها متى ما اهتمت ببعض الأمور، ومنها تعزيز حضور المواهب الشابة ودعمها. وقد شاهدنا عشرات المبدعين في "يوتيوب" ينثرون إبداعا متنوعا في المسرح والفنون والتقديم والبرامج العلمية والترفيهية، وأصبح متابعوهم بالملايين، ولو استطاعت "الهيئة" استقطاب مجموعات منهم ودعمهم ماديا ومعنويا، لتحقق كثير من النجاح، واختصرت على نفسها طريقا طويلا من البحث عن التميز. أما الأمر الآخر، فأظن أن نجاح "الهيئة" وبرامجها يكمن في متابعة المشهد المحلي بكل تجلياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فنحن الدولة الأكثر تأثيرا في محيطها في الشرق الأوسط في كل المجالات، وهذا التأثير جعل قنوات عربية وصحفا أجنبية تتنافس ببرامج يومية؛ لاستقطاب المشاهد السعودي، ومناقشة تفاصيل محلية نحن أولى بها. وما زلت أرى أن كثيرا من الجهود الإعلامية أقل من تأثيرنا المحوري، ولا تعكس صورتنا البارزة في مجالات كثيرة.
إنشرها