FINANCIAL TIMES

وجها لوجه .. مع أسطورة قرصنة محركات «التقنيات الكبرى»

وجها لوجه .. مع أسطورة قرصنة محركات «التقنيات الكبرى»

وجها لوجه .. مع أسطورة قرصنة محركات «التقنيات الكبرى»

يصل جارون لانيير متأخرًا قليلاً عن موعد الغداء في مطعم يقدم الطعام البيروفي في منطقة فيتزروفيا وسط لندن، بعد أن شتت ذهنه ناي من راع أوكراني. إذا حكمنا بحسب طبيعة الأعذار، هذا عذر جديد بالتأكيد.
نبهني حارسه المهذب إلى أنه سيتأخر قليلا، موضحًا أن لانيير "انجذب إلى دوامة" هوبجوبلين ميوزيك، وهو متجر مجاور للآلات الموسيقية النادرة.
عندما يظهر لانيير أخيرًا، يقول إن الناي الأوكراني سيكون "مثيرا للانزعاج إذا كنت خروفًا"، لكنه يظل مثيرًا للاهتمام نوعا ما.
ويضيف: "هناك بعض المغريات هناك ولكني متردد في الوقت الحالي".
لانيير ليس من النوع الذي يبقى مترددًا فترة طويلة. لانيير، رجل مهيب ذو شعر بني طويل متشابك، نادرا ما يمر دون أن يلاحظه أحد، حتى لو كان يرتدي قميص تي شيرت أسود اللون غير مميز وبنطلونا أسود اللون.
تطير أدوات تناول الطعام على طاولة مجاورة عندما يستقر في مقعده، ولكن لا يبدو أنه لاحظ ذلك.
إضافة إلى كونه جامعًا مهووسًا - وعازفًا - لعدة مئات من الآلات الموسيقية (المفضل لديه: الكين اللاوسي)، فإن لانيير، الذي يتخذ من بيركلي مقرا له، موسيقار، وعالم كمبيوتر، ومتحمس للواقع الافتراضي، ومؤلف، وباحث مرتبط بشركة مايكروسوفت، وآفة للشبكات الاجتماعية.
إذا أردنا استخدام لغة الصحافة الوصفية، فهو موسوعة في رجل واحد مثير للجدل.
في ثقافة وادي السيليكون التي تضفي الطابع الأسطوري على الشباب وعلى التدمير الخلاق، يمكن للانيير البالغ من العمر 58 عاماً أن يبدو في بعض الأحيان، وكأنه العم الغريب الأطوار في الغرفة، الذي يشعر بالقلق من تأثير التكنولوجيا في البشرية، والعازم على أن يبقى المجتمع مطلعا على الأمور المحصورة على أصحاب الامتيازات.
كان واحدا من أوائل الرواد في الواقع الافتراضي، حيث أسس "في بي إل للأبحاث" منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وطور نظارات وقفازات الواقع الافتراضي.
لم يكن يوما مقتنعا تمامًا بـ "التفكير السحري" لقطاع التكنولوجيا، وباع الشركة بعد ذلك إلى "صن مايكروسيستمز". وكما كتب لاحقاً، إذا كنت لا تؤمن بأسطورة وادي السيليكون للرجل العظيم، فمن الصعب أن تطمح لأن تكون رجلا عظيما.
في سلسلة من الكتب والمقالات اللاحقة، كان لانيير مبشرًا وزنديقا على حد سواء، متحمسًا لإمكانات التكنولوجيا الإبداعية مع تحذيره في الوقت نفسه من آثارها المدمرة.
كان من بين أول من دق ناقوس الخطر حول التداعيات الضارة لوسائل الإعلام الاجتماعي على حياتنا، وهو موضوع تم تطويره بقوة كبيرة في كتابه الأخير، "عشر حجج لكي تحذف حساباتك في وسائل الإعلام الاجتماعي الآن".
وهو يدَّعي أننا حين نعيد تسمية أمثال مواقع فيسبوك وجوجل باعتبارهما "إمبراطوريتي التلاعب بالسلوك" سيكون لدينا فهم أكثر وضوحا لعالمنا.
وتتمثل حجته في أن "المراقبة المتفشية والتلاعب المستمر والخفي أمر غير أخلاقي وقاسٍ وخطير وغير إنساني". باختصار، هذا الشكل المسلح من الإعلانات يعمل على استقطاب المجتمع، وتدمير النقاش الديمقراطي، وتحويلنا إلى "أغبياء تماما". قرأت أن لانيير يعتبر الموسيقى حبه الأول. أخبرني كيف علمته أمه ليلى كيف يعزف سوناتات بيتهوفن على البيانو عندما كان طفلاً صغيراً، حتى إن كان يصر على العزف بأسلوبه الخاص "المبالغ فيه إلى درجة الهزل".
أدى هذا الارتباط العاطفي إلى افتتان مدى الحياة مع أداء الموسيقى، التي يصفها بأنها نوع من "الخلق الفوري للمستقبل". ويقول: "إلى حد كبير، عالم الموسيقى بهيج وسخي"، مشيراً إلى أنه حتى اللاوسيين يتمتعون بأسلوبه المتميز في العزف على الكين.
هذا الفرح العابر يتناقض مع طفولة لانيير، التي تبدو مثل واحدة من روايات جيمس جراهام بالارد الكئيبة. أمه المحبوبة، وهي ذات مهارة فائقة منذ طفولتها في العزف على البيانو من فيينا، ومن الناجيات من الهولوكوست، قُتلت في حادث سيارة في الولايات المتحدة عندما كان في التاسعة من عمره.
ثم انتقل مع والده إلى صحراء نيو مكسيكو، حيث كانا يعيشان في خيمة لمدة عامين في حين قاما بتصميم وبناء منزل على شكل قبة. في وقت لاحق، أثناء الدراسة في الجامعة، كان لانيير يدفع رسوم الجامعة عن طريق تربية الماعز وبيع الحليب والجبن.
وفقًا لملف شخصي في نيويورك، كانت صديقة لانيير تشعر بحيرة كبيرة للغاية بسبب مظهره الأشعث، بحيث اصطحبته إلى مغسلة للملابس في لقائهما الأول.
لربما يمكنك أن ترى لماذا وصفت مورين دود، وهي صاحبة عمود في صحيفة نيويورك تايمز، لانيير بأنه "أكثر شخص غير عادي قابلته في حياتي".
حياة لانيير الصادمة في وقت مبكر من حياته، وعقليته التي تشبه البدو الرحل، وافتتانه بالتكنولوجيا، أكسبته وجهة نظر غير تقليدية. وباعتباري كاتب عمود في "فاينانشيال تايمز" يكتب عن تأثير التكنولوجيا، فقد كنت مهتما منذ فترة طويلة بأن ألتقي الكاتب الذي عمل كثيرا لرسم الخطوط العريضة لعالمنا الرقمي المتغير الأشكال. في البداية، أقرر أنه من الأفضل طلب بعض الطعام.
تبدو حانة بيسكيو الخفيفة والمتجددة الهواء هادئة في يوم الجمعة في وقت الغداء في قلب لندن. تقع قبالة شارع أكسفورد في راثبون بليس، حيث كان يعيش ويليام هازليت، كاتب المقالات العظيم، في القرن التاسع عشر.
بيد أن بيسكيو مناسبة تمامًا لتلبية قائمة لانيير من القيود الغذائية (التي أرسلها بالبريد الإلكتروني): "لا للحم. لا للرخويات. لا للسكر. لا للكحول".
اكتسب لانيير هوسًا بالأخطبوط، الذي يقدّره بسبب ذكائه وقدرته المذهلة على التغير. نطلب على حد سواء طبق مأكولات بحرية من باس البحر والبطاطس الحلوة والكزبرة، وذرة الإنكا وحليب ليمون الجير، تنويع في الأذواق والملمس. وبالنظر إلى الحظر، فإننا نلتزم بمياه الصنبور.
أنا مفتون بالكيفية التي يمكن من خلالها للانيير أن يكون منتجا إلى درجة كبيرة في كثير من المجالات المختلفة. ويصف أسلوب عمله بأنه "تسويف مضغوط"، متحولا من نشاط إلى آخر، مثل التدريب على عدة مهارات.
ويقول: "يمكنك الإفلات من الشعور وكأنك كسول طوال الوقت، ولكن في نهاية اليوم، تكون كل الأشياء قد تحققت".
يحفزه طبق المأكولات البحرية، يطلق لانيير هجوما لا هوادة فيه على شركات التكنولوجيا الكبيرة – على الرغم من أنه يؤكد أن المشكلة لا تكمن في التكنولوجيا في حد ذاتها أو حتى في قيادة الشركات، بقدر ما تكمن في نظام الحوافز الاقتصادية الذي نعمل فيه. مع الأسف، المثالية التحررية المبكرة للإنترنت أدت إلى إيجاد "احتكارات عالمية ضخمة للبيانات". مثل كثير من رواد الإنترنت، يريد لانيير إحياء الوعد الأصلي للتكنولوجيا. وكما يقول "أفتقد المستقبل". يجادل لانيير بأن شركات المنصات المذكورة تستخدم قوتها الحاسوبية الهائلة للحصول على ميزة معلوماتية ضخمة، مع الحفاظ على المكافآت الاقتصادية لأنفسها، بينما تشع بالمخاطر إلى الجميع. "إنها تذكرنا باقتصاد القمار، حيث يكون المركز الوحيد المضمون هو لمصلحة الكازينو".
وهو يدين بشكل خاص شركات الإعلام الاجتماعي، حتى إن كان يقبل بأن الخدمات التي تقدمها لها فوائد حقيقية: الاتصال بالمرضى الذين يعانون أمراضا نادرة، أو مساعدة المستخدمين على العثور على الحيوانات الأليفة المفقودة.
المشكلة هي، كما يقول، إن لدى كل من شركات فيسبوك وجوجل وتويتر ويوتيوب وإنستجرام "محرك تلاعب" يعمل في الخلفية، يعمل لمصلحة المعلنين عديمي الضمير أو المحتالين أو الجواسيس الروس.
يقول: "هيكل الحوافز الحالي هو أنه في أي وقت يكون فيه شخصان على اتصال، يتم تمويل ذلك من قبل شخص ثالث يعتقد أنه يمكنه التلاعب بالأول والثاني"، ساحبا شعره المجدول من على كتفيه مثل شخص راق يظهر لأول مرة على العلن.
ويقول: "لم يحدث من قبل أن يكون هناك مجتمع يخضع فيه الجميع للمراقبة والملاحظة المستمرة، وهم يتلقون باستمرار هذا التدفق من الخبرة التي يتم تعديلها ديناميكيًا لإيجاد طرق للتلاعب بها".
ويقول إن زوجته لينا التي نجحت في مكافحة السرطان، وجدت صعوبة في تعقب معلومات مفيدة عن حالتها على الإنترنت؛ لأنه مزدحم بقمامة من المتوحشين والمزيفين. "إنها مثل متاهة الخداع".
وهو يقبل أن حملته لن تقنع كثيرا من الناس بحذف تطبيقاتهم. تم تصميم وسائل التواصل الاجتماعي بحيث تكون مسببة للإدمان، وتتمتع شركاتها المهيمنة "بتأثيرات الشبكة الضخمة غير المعقولة" التي تجعل من الصعب التخلي عنها.
بيد أنه يأمل أن يقوم عدد كاف من الناس بتخليص أنفسهم منها لفترة طويلة بما فيه الكفاية لضمان وجود جزيرة صغيرة محمية من النقاش العام البديل. كيف يمكن أن يكتب بشكل شامل حول تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي إذا توقف منذ فترة طويلة عن استخدامها؟ وهو يقر بأن هذا "نقد صحيح، لا مفر منه"، ولكنه يرد بأن "الناس الذين في السجن سيعرفون عن حياة السجون أكثر من الصحافي الذي يكتب عن حياة السجن. ومع ذلك، نحتاج إلى أن يكون الصحافي في الخارج وإلا لن يكون هناك أي تقرير على الإطلاق".
من أكبر الانتقادات التي وجهها لوسائل الإعلام الاجتماعي أنها تلغي السياق وتمزق المعاني. كل عبارة يتم تقطيعها إلى أشلاء صديقة للخوارزميات تعاد في سياق مختلف، ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى "رد فعل غريب الأطوار" يجعلها بلا معنى. يقول لانيير إنه التقى ترمب عدة مرات على مدى العقود الثلاثة الماضية، ويجادل بأنه أعيدت برمجته من خلال تفاعلاته مع وسائل التواصل الاجتماعي: "ما حدث هو أنه يتعامل مع اضطراب مرتبط بإدمان وسائل الإعلام الاجتماعي، وشخصية تعاني إدمانا من صنع يديها، حيث يكون الشخص غير آمن للغاية، ومستعدًا جدًا للقفز إلى مباراة اجتماعية غريبة من الشتائم والامتعاض".
وفقا للانيير، انتخاب ترمب أحدث هزة في شركات وسائل الإعلام الاجتماعي أيقظتها من تهاونها. وأثارت الفضيحة التي أعقبت انتهاك "كامبريدج أناليتيكا" بيانات "فيسبوك" هزة كبيرة أخرى في وادي السيليكون، وتركت القطاع مفتوحا أمام التفكير الخارجي.
يقول: "لا يزال يُنظَر إلي نوعا ما على أني شخص من الخارج، وقد تكون أفكاري متطرفة نوعًا ما، ولكن يتم التعامل معها بالتأكيد على أنها جزء طبيعي من المحادثة الآن".
على الرغم من تزايد الحديث عن الحاجة إلى تدخل الدولة، إلا أن لانيير لا يرجو كثيرا من الأمل في القانون التنظيمي، حيث إنه يخشى من أن يؤدي ذلك إلى تعزيز وضع الشركات الحالية.
وما يثير الدهشة إلى حد ما أنه يقول إن كلا من شركتي فيسبوك وجوجل من المرجح أن تقوما بإصلاح نفسيهما جزئيا؛ لأن هذا يصب في مصلحتيهما الشخصيتين، وجزئيا تحت ضغط موظفيها من ذوي التفكير الأخلاقي.
ويضيف: "الشيء الوحيد الذي سيقتلهم تماما هو ما إذا بدأ المهندسون الطيبون بالرحيل. في هذه الحالة ستموت الشركات".
يعمل لانيير مع مجموعة من الاقتصاديين الراديكاليين لتصميم اقتصاد معلومات بديل. وهو نصير بليغ لحركة "البيانات باعتبارها يدا عاملة"، بحجة أنه إذا استخدم الناس وسائل التواصل الاجتماعي فعلا، فيجب عليهم على الأقل أن يدفعوا مقابل مشاركاتهم وصورهم.
ويلمح إلى أنه منخرط في حوارات خلفية مع شركات التكنولوجيا لتحقيق عملية إعادة الهيكلة التي من هذا القبيل. "لا أرى كيف يمكن لأي مجتمع أن يأمل في البقاء على قيد الحياة ما لم يكن هناك على الأقل قدر من المواءمة بين مصالح المجتمع والحوافز الاقتصادية".
في لحظاته المظلمة، يتساءل عما إذا كنا قد فقدنا السيطرة على إبداعاتنا الرقمية. "بدأت أفكر في الإعلام الاجتماعي قليلاً، كما تعلم، كيف اقترح ريتشارد دوكينز أن نفكر في الجين كما لو أن لديه إرادة خاصة به".
ويتساءل إن كان من قبيل الصدفة أن وسائل الإعلام الاجتماعي تحاول إضعاف الساسة الذين يحاولون ترويضها.
تماما في الوقت الذي تتخذ فيه الحكومات الأوروبية إجراءات لتنظيم وسائل الإعلام الاجتماعي وخصوصية البيانات، تتعرض لهجوم من الحركات الشعبوية.
حالة الاختبار قد تحدث في ألمانيا، التي يصفها لانيير بـ "مركز المقاومة لكثير من الجنون" اليوم.
وهو يرى أدلة على نفس عملية زعزعة الاستقرار تجري في إيطاليا وبولندا وجنوب شرقي آسيا والهند وإفريقيا. "إذا أراد شخص ما تعطيل مجال معين، فإنهم يجعلون كل شخص غريب الأطوار ومصابا بجنون العظمة وكلبيا بالطريقة التي تقدر بها استخدام هذه الأدوات؛ لأن ذلك هو ما تم تحسين الأدوات بدقة لعمله. وهكذا ندخل عالمًا من الجنون. انتخاب ترمب ليس سوى مثال واحد على ذلك. سيكون هناك مزيد إلى أن نصلح هذا الأمر".
يتحدث لانيير في موجات متحمسة من فقرات جيدة التضمين، ولكنه لا يزال يحاول إنهاء طبق الأفوكادو بالرز بشهية كبيرة. طبق السمك المشوي أمامي شهي، وإن كانت الأسماك جافة إلى حد ما، متبلة بصلصة الكريولا. وهو يطلق نظرة رافضة عندما تتشعب شوكتي بالقرب من قطعة من الأخطبوط.
منذ إكمال كتابه، توصل إلى استعارة جديدة تصف التفاعل بين وسائل الإعلام الاجتماعي والسياسة: داء المقوسات، وهو مرض طفيلي يعيد عمل أدمغة القوارض ليجعلها أقل خوفا من القطط.
بمجرد أن يتم التهام الفئران المتهورة، يتكاثر الطفيل نفسه في أحشاء القطط. يشير إلى أن الروس – يأكلون الفئران المجازية فقط؛ لأن طفيل الإعلام الاجتماعي يجعل الناس مجانين. عندما أرفع حاجبي متشككًا، يضحك: "أتوقع أن يطلق رجال الكوماندوز المجازيون النار على هذا المطعم في أي لحظة ويضعوني قيد الاعتقال".
يحتفظ لانيير بمصداقيته بين كثير من خبراء التكنولوجيا في الساحل الغربي بسبب عمله الرائد في مجال الواقع الافتراضي. وقد أصبح مفتونا بالواقع الافتراضي وكأنه "طفل وحيد مصاب بصدمة" يبحث عن وسيلة للتواصل مع الناس من خلال الخيال المشترك. في كتابه المثالي المتطرف عن الواقع الافتراضي، بعنوان فجر كل شيء جديد Dawn of the New Everything، وصف رغبته في تكرار طائش لفرحته الحسية في طفولته: لوحات هيرونيموس بوش، وموسيقى يوهان سيباستيان باخ، والشوكولاتة المكسيكية الممزوجة بالقرفة.
يناقش لانيير مع نفسه إن كان المطبخ المكسيكي أو البرازيلي أو البيروفي هو الأفضل في أمريكا اللاتينية، لكنه يبدي سعادته بمطعم بيسكيو. كنا نتحدث بشكل مكثف لدرجة أننا لا نجد وقتًا للحلوى.
هذا أمر مؤسف لأن موس الشوكولاتة الأمازونية مع التوت المداري تبدو مغرية.
باعتباره رائدًا في مجال الواقع الافتراضي، يجادل لانيير لمصلحة "التواصل ما بعد الرمزي"؛ حيث تتلاشى الرموز التي مثل الكلمات ليحل محلها شكل من أشكال التواصل من خلال ارتجال واقع مشترك.
لقد أصبح يدرك أن التكنولوجيا القوية التي من هذا القبيل تستطيع أن تغير سلوك الناس. ويقول: "حين أدركتُ ذلك شعرت بخوف شديد. الواقع الافتراضي بطبيعته هو أنقى شكل لما هي أفضل وأسوأ الجوانب من إمكانات التكنولوجيا".
وعلى الرغم من صعوبة أن يوصف لانيير بأنه متفائل، إلا أنه يصف نفسه كذلك، لكني معجب بالعقيدة الشخصية التي تحدث عنها خلال حفل قبول الجائزة عام 2014 حين جادل بأن الموت والخسارة أمران محتومان ومملان للغاية.
وصرح قائلا: "المعجزات التي ننشئها، والصداقات، والعائلات، والمعنى، هي المذهلة والمثيرة للاهتمام، والمثيرة للذهول بشكل مذهل. خلق الحب".
وهو يساند الفكرة التي تقول إن العالم أصبح بشكل عام أفضل من الناحية الصحية، وأفضل تعليما وأكثر سعادة، لكنه يجادل بأن هذا تحقق فحسب بسبب نشاط الأشخاص المستائين. انتقاداته اللاذعة تخدم غرضا أسمى. "عند كل زيادة بسيطة في التحسن في التاريخ البشري، كان هناك شخص يشعر بالانزعاج الشديد، وها هو ينهض ويقول ’هذا يمكن أن يكون أفضل، ولا بد أن يكون أفضل‘. أن تكون متفائلا لا بد أن يعني أن تكون ناقدا. عدو المستقبل ليس المتشائم، بل الشخص المتهاون".
وبهذه العبارة الطنانة الختامية، يتوجه الناقد السعيد والمستاء عائدا إلى متجر الموسيقى – ليفحص ناي الراعي الأوكراني، من جديد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES