FINANCIAL TIMES

الأرجنتين تتعلم التعايش مع تنين التضخم

الأرجنتين تتعلم التعايش مع تنين التضخم

غلبت نظرة استسلام يكسوها التعب على وجه ماريانو فاليجو، بينما كان يتوقف عند محطة بنزين محلية يملكها في بوينس آيرس. يتنهد، وهو يلقي نظرة سريعة على سعر اللتر من الوقود، الذي تضاعف خلال العامين الماضيين وعلى وشك الصعود مرة أخرى.
يقول بنبرة اكتئاب، وهو يطلب من عامل المضخة تعبئة نصف خزان الوقود فقط، عاقدا العزم على أن يقلل من استخدام سيارته قليلا: "إذا لم تكن الزيادة في البنزين، فستكون في شيء آخر. فالأسعار تستمر في الارتفاع بلا هوادة. لكن هذا ليس بالأمر الجديد - فهذه هي الأرجنتين".
التدافع الأخير للتخلص من البيزو يعمل على دفع التضخم إلى أعلى أكثر من أي وقت مضى. ويمكن أن ترتفع الأسعار بنسبة تصل إلى 30 في المائة هذا العام – أي نحو ثلاثة أضعاف المعدل الذي كان الرئيس ماوريسيو ماكري يأمل الوصول إليه في عام 2018. لكن بالنسبة لمعظم الأرجنتينيين هذا هو الأمر المعتاد.
باستثناء تجربة مجلس العملة في التسعينيات التي انتهت بانهيار مالي كارثي في عام 2001، عاش الأرجنتينيون مع ارتفاع قاس في معدلات التضخم لفترة أطول مما يمكن أن يتذكرها معظم الناس. وطور كثيرون قدرة تحمل عالية وغير عادية لهذه الظاهرة الاقتصادية التي غالبا لا يشعر بها المستهلكون في أماكن أخرى إلا نادرا.
قال ماركوس نوفارو، أستاذ علم الاجتماع في جامعة بيونس آيرس، الذي اعتبر الازدهار الاقتصادي والتوظيف شاغلين أكبر من التضخم: "المستهلكون هنا مدربون جيدا على فن التكيف مع التضخم".
سواء كان تحديد الوقت المناسب لشراء منتج معين بسبب أنه رخيص نسبيًا، أو شراء السلع بأكبر عدد ممكن من الأقساط لأنها تصبح أرخص بمرور الوقت، أو ببساطة الادخار بالدولار، نظرا لتأثير التضخم المدمر على قيمة البيزو، هذه الممارسات هي الطبيعة الثانية للأرجنتينيين.
قالت جلوريا كاراسكو، وهي ربة منزل لا تزال ترتعش حين تتذكر نوبة التضخم المفرط في عام 1989 عندما ارتفعت الأسعار 3079 في المائة: "التضخم مشكلة، بالتأكيد، لكننا معتادون على ذلك. أنا شخصيا أشتري الدولار كلما وجدت سبيلا إلى ذلك". لكنها أكثر قلقا هذه الأيام بشأن الجريمة.
الشركات أيضا تعلمت أن تتعايش مع التضخم - بل حتى الاستفادة منه. قال أحد التنفيذيين: "تستطيع الشركات دائما جعل المستهلكين هم فقط من يتحمل الارتفاع في التكاليف. لا شك أن بعضهم يستفيد من الأوضاع الاقتصادية المتقلبة ويزيد الأسعار أكثر مما يحتاجون إليه. على افتراض أنهم في حاجه إلى ذلك".
كذلك يمكن للنقابات العمالية أن تزدهر في البيئات التضخمية، لأن الأعضاء يعتمدون حينها على قدرتهم على التفاوض بشأن الحصول على أجور أعلى خلال الجولات السنوية للمساومة على الأجور - وهي ممارسة مستمرة في أماكن قليلة خارج الأرجنتين.
بالنظر إلى الثقافة المتأصلة المحيطة بالتضخم في البلاد، يرى ماكري أن لديه مجالا للتنفس والتركيز على إنعاش النمو الاقتصادي في الوقت الذي يجعل فيه المعركة ضد التضخم آخر اهتماماته، لأن الاقتصاديين يتوقعون حدوث ركود فني في الربعين الثاني والثالث من عام 2018.
ليس فقط أن الاقتصاد يتعرض للأذى بسبب الآثار الانكماشية لتخفيض قيمة العملة، لكن قوة القطاع الزراعي عانت أيضا هذا العام من أسوأ موجة جفاف منذ عقود. علاوة على ذلك من المحتمل يتعرض النمو للأذى بسبب تخفيضات إضافية في العجز المالي تعهدت الحكومة بتحقيقها من أجل تأمين الحصول على قرض بقيمة 50 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.
وجادل نوفارو قائلا: "تركز الحكومة على البقاء على قيد الحياة من الناحية الانتخابية، وفي الوقت نفسه تركز على إنقاذ ما يمكنها إنقاذه من برنامج التطبيع الاقتصادي، ما يترك مشكلة التضخم جانبا في الوقت الراهن". وكان معظم الناس يتوقعون فوز ماكري بسهولة في الانتخابات الرئاسية العام المقبل إلى أن بدأ تراجع البيزو في أواخر نيسان (أبريل) التأثير على شعبيته. وتضررت صدقيته كمدير اقتصادي كفء، واتُّهِم بمحاولة حل كثير من المشكلات الاقتصادية في وقت واحد.
قال ماكري لأحد الصحافيين خلال الحملة الانتخابية قبل ثلاث سنوات: "لماذا يجب أن تكون (معالجة التضخم) عسيرة؟ لا، لا، لا، التضخم فقط دليل على عدم قدرتك على الحكم"، رافضا بذلك أن يشكل التضخم تحديا له. وقال: "خلال رئاستي لن يكون التضخم مشكلة".
لكن الأمور أخذت مسارا مختلفا. فعلى الرغم من أن ماكري أحرز بعض التقدم في خفض التضخم من 40 في المائة عام 2016 إلى 25 في المائة في العام التالي، إلا أن معظم الاقتصاديين يتوقعون أن يعود إلى الارتفاع مرة أخرى هذا العام.
وأقرت يوجينيا كامبوس، وهي مساعدة في متجر كانت قد صوتت لمصلحة ماكري، وستفعل ذلك مرة أخرى في العام المقبل: "هذا أمر مخيب للآمال". وأضافت: "لا فائدة من العودة إلى ما كنا عليه من قبل – ففي النهاية، تلك الجماعة (إدارة كريستينا فرنانديز دي كيرشنر) هي المسؤولة عن هذه الفوضى".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES