أخبار اقتصادية- عالمية

حرب العملات تلوح .. الصين مهددة بتآكل احتياطياتها وأمريكا الأقدر على الصمود

حرب العملات تلوح .. الصين مهددة بتآكل احتياطياتها وأمريكا الأقدر على الصمود

ما كان يطرح في دوائر ضيقة قبل عدة أشهر، بات الآن سؤالا يتسع نطاق تداوله يوما بعد آخر، هل يتجه العالم إلى حرب عملات؟ أم أن حرب العملات بدأت بالفعل، وهل يمكن أن يكون الصراع التجاري بين الصين والولايات المتحدة، مقدمة لنزيف اقتصادي ضخم يدفع الطرفين إلى القيام بخطوة نوعية لكسب المعركة من خلال التحول إلى حرب العملات؟ ومن هو الخاسر الأكبر في تلك الحرب إذا ما اندلعت؟
حرب العملات هي كلمة السر حاليا في عديد من الأروقة الاقتصادية، ولا يتعلق الأمر ببحث مدى خطورتها أو تأثيرها الاقتصادي، فمثل تلك المواضيع قتلت بحثا أكاديميا، بل إن الاقتصاد الدولي عانى من آثارها الكارثية في بعض مراحل تطوره، ومن ثم فإن البشرية لديها تجارب مؤلمة مع ذلك النوع من الحروب، وما يتم النظر إليه حاليا ينحصر في الكيفية التي يمكن أن يواجه بها الاقتصاد العالمي مخاطر تلك المعركة، وهل يمكن أن يدرك قادة القطبين الاقتصاديين الولايات المتحدة والصين إلى أي مصير سيتجه الاقتصاد الدولي، إذا ما قررا المضي قدما في حرب العملات، بما قد يعنيه ذلك من أن خيار الانتحار الاقتصادي بات الخيار الرسمي لهما؟
يختصر البروفيسور جون وايت الرئيس السابق للجنة الاستشارية لبنك إنجلترا الوضع في سؤال محدد، هل يوجد أحد لديه مصلحة في أن تكون قيمة عملته مرتفعة في أجواء الصراع التجاري الذي يشهده الاقتصاد الدولي الآن؟ ويجيب عن السؤال بكلمة "لا".
ويقول لـ"الاقتصادية": لا يمكن القطع بأن الاقتصاد الدولي يشهد حاليا حرب عملات، ولكن المؤكد أن الظروف باتت الآن مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتلك الحرب، وإذا كنت متشائما فيمكنني القول إننا نسير في هذا الاتجاه.
ويضيف: "تفر الاقتصادات الكبرى الآن من أن تكون عملته قوية، وذلك بعد أن كانت العملة القوية دليل على الاقتصاد القوي وتحسن الأداء، والقناعة السائدة في الوقت الراهن لدى عديد من القادة وصناع القرار الاقتصادي أن العملة الضعيفة ستعزز النمو الاقتصادي، إذ تمنح الاقتصاد ميزة تفضيلية على منافسيه التجاريين، الخطورة أنه إذا انضم الجميع إلى تلك القناعة فسيكون الجميع خاسرا".
وفي الواقع فإن الملامح الراهنة تشير إلى انضمام كل الاقتصادات الكبرى لتلك القناعة، فالإدارة الأمريكية ترغب في أن يكون الدولار ضعيفا، والاتحاد الأوروبي يسعى أيضا إلى عملة أوروبية موحدة ضعيفة، واليابان لا تخفي أن سياستها الرسمية للتغلب على الانكماش تكمن في إضعاف الين، والصين تريد اليوان أكثر تنافسية لزيادة الصادرات وخفض الواردات، وبريطانيا تصمت تجاه تراجع الاسترليني عسى أن يسهم ذلك في زيادة صادراته في وقت يسبب لها الخروج من الاتحاد الأوروبي عديدا من المشاكل الاقتصادية.
ولكن ما المشكلة في ذلك؟ يجيب دي. ديفيد الباحث الاقتصادي في بنك إنجلترا قائلا: "لا توجد مشكلة في انخفاض قيمة العملة في حد ذاته إذا كان ذلك نتيجة تغيرات في قوى السوق، ولكن الخطورة عندما يكون ذلك متعمدا أو توجد شائبة بأنه يتم عمدا".
ويؤكد لـ"الاقتصادية" أن الجانب الأمريكي كان واضحا وصريحا في اتهامه للصين بشكل قوي وصريح، وكذلك لليابان بدرجة أقل حدة، بأنهما يتلاعبان في قيمة عملتهما المحلية اليوان والين لتحقيق مزايا تفضيلية على حساب الصادرات الأمريكية.
ويشير إلى أن ستيفن منوشن وزير الخزانة الأمريكي رحب بتراجع قيمة الدولار في حين رحب بأفضل أداء اقتصادي لمنطقة اليورو في أكثر من عقد، وليس هذا مستغربا لأن سعر اليورو في مواجهة الدولار ارتفع إلى أكثر من 1.25 دولار، ومن جانب آخر فإن ماريو دراجي محافظ البنك المركزي الأوروبي منزعج للغاية من تحسن قيمة اليورو، فهذا يعرقل جهوده للتغلب على الانكماش وانخفاض معدلات التضخم في بلدان منطقة اليورو.
ويضيف: "في ظل تلك الظروف فإن المستثمرين وصناديق التحوط تكون حذرة للغاية وتؤجل قراراتها الاستثمارية في انتظار انقشاع الغيوم، وهذا يعني انخفاض النمو".
والمخاوف من أن تتحول الحرب التجارية إلى حرب عملات، مشروعة لدى عديد من الاقتصاديين، إلا أنهم يعتقدون أن حرب العملات لم تندلع بعد بشكل رسمي.
لكن بعضهم يعتقد أن الاقتصاد الأمريكي قد يكون أكثر قدرة على مواجهة تلك الحرب من الآخرين، بل إن بعضهم يرى أن واشنطن قد تكون لها مصلحة حقيقية في السير بالاقتصاد الدولي في اتجاه حرب عملات للحد من طموحات اليوان الصيني.
والطموحات الصينية بأن يتم تسعير عديد من السلع الدولية وفي مقدمتها النفط باليوان، يقلق كبار المسؤولين الاقتصاديين في البيت الأبيض وقادة الكونجرس والمؤسسات المالية الأمريكية، فالدولار حاليا يمثل نحو 85 في المائة من معاملات التجارة الدولية، وخطوة من هذا القبيل يمكن أن تؤدي إلى تآكل مركزية العملة الأمريكية في الاقتصاد الدولي، ومن ثم يعتقد البعض أن واشنطن لها مصلحة في إضعاف اليوان الصيني بشكل كبير، بحيث يكون من غير الممكن تسعير السلع الرئيسة في التجارة الدولية به، ولن يحدث ذلك إلا من خلال هزيمته في حرب عملات، وهو ما تسعى الصين لتفاديه حاليا.
ومنذ عام 2016 وهناك خطوات صينية ملحوظة لتفكيك ضوابط رأس المال على اليوان، وذلك يعد شرط أساسي لجعله عملة دولية، وعلى الرغم من أن تلك الخطوات تسهم نسبيا في تعزيز التجارة الدولية، عبر الترويج لاستخدام اليوان خارج الحدود الاقتصادية للصين، إلا أنه يمثل تحديا مستقبليا للدولار الأمريكي.
وتقول تينا براون الخبيرة المصرفية: "تعهد البنك المركزي الصيني بأنه لن يستخدم اليوان كوسيلة في النزاع التجاري مع الولايات المتحدة، ما يكشف عن إدراك صناع السياسة المالية الصينية أنهم سيخرجون خاسرين من معركة حرب العملات، فالموقع القوي للدولار عالميا، والتحالف المتوقع بين اليابان والولايات المتحدة في تلك الحرب يضع اليوان الصيني في موضع ضعيف، ولن يكون أمام بكين غير إعادة تكرار تجربة عام 2015 بضخ مزيد من الاحتياطيات النقدية في الأسواق للحفاظ على قيمة عملتها الوطنية من الانهيار التام أمام الدولار، وهذا يعني تآكل ضخم في احتياطياتها الدولارية دون عائد يتمثل في الحفاظ على توازن اليوان".
ولكن إذا كانت الولايات المتحدة يمكن أن تخرج منتصرة في تلك الحرب على الرغم مما ستتعرض له من خسائر، فلماذا لا تسارع بإشعال حرب العملات؟!
لا تبدو الأمور بتلك السهولة أو البساطة، فالتداخل الراهن في الاقتصاد العالمي نتيجة العولمة، يعرقل إلى حد كبير قدرة الولايات المتحدة على القيام بذلك، فحرب من هذا القبيل ستضعف حتما معدلات النمو في الاقتصاد الصيني، وستضعف من الحدة الاستيرادية للصين من الولايات المتحدة، وهو ما يعني تأثر الاقتصاد الأمريكي سلبا من تراجع خصمه.
ويرى الخبير الاستثماري بوريس وليم أن الولايات المتحدة ستقبل بتراجع نسبي في قيمة اليوان، كوسيلة لتوفير بعض الدعم للاقتصاد الصيني، لكن إذا تجاهلت السلطات المالية في بكين التحذيرات الأمريكية بضرورة عدم تراجع اليوان عن حد معين، وهو ما يعرف بالمستوى الحساس ويقدر بـ 6.7 يوان مقابل الدولار فإن الاستراتيجية الأمريكية ستتغير.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "الخوف من أن يؤدي مواصلة انخفاض قيمة العملة الصينية أمام الدولار إلى اندلاع حرب عملات، يعود إلى أن كل دولة ستكون لها قراءة مختلفة عن الأخرى فيما يتعلق بأسباب هذا الانخفاض، فبينما ستنظر الصين إليه باعتباره تحركا مبررا تماما، نظرا للظروف التي يمر بها الاقتصاد الصيني.
ويوضح أن الجانب الآخر وهو إدارة الرئيس ترمب ستنظر إلى الموقف الصيني باعتباره خطة تهدف إلى إلحاق الأذى بحصة الولايات المتحدة من التجارة العالمية، وإذا ما انخرط الطرفان في حرب عملات فالمؤكد أن الاقتصادات الأخرى ستعاني بشكل كبير للغاية.
ويشير إلى أن عددا من الدول الصناعية المتقدمة مثل اليابان والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنجلترا استعانوا سابقا بمنطق إضعاف عملتهم بمزيد من طباعة النقود لتشجيع الصادرات، وعليه فلماذا تحرم الصين من تلك الممارسة؟

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية