FINANCIAL TIMES

نقص النوم جزء من مشكلة الإنتاجية الضعيفة

نقص النوم جزء من مشكلة الإنتاجية الضعيفة

هل تثق بشخص كان مستيقظا طوال الليل؟ نحن نصادف كثيرا منهم: سائقو شركة أوبر، وأفراد الشرطة، والأطباء. أخبرني شخص كان يعمل سابقا لدى دائرة الخدمات الصحية الوطنية في المملكة المتحدة، كان مكلفا بإدارة أعباء العمل الخاصة بالأطباء، عن علامات الهوس الليلي التي كان يشاهدها بشكل روتيني.
في بعض الأحيان كان يكتشف أن هناك أطباء يختبئون في خزانات الملابس لمحاولة أخذ قسط من النوم. ويتذكر أنه كان يقود سيارته في مناوبة الزيارات المنزلية ومعه أحد الأطباء الذي كان يحضر وسادة، وغطاء، وزجاجة ماء ساخن، ويطلب منه أن يقود عبر الطريق الطويل. ربما هذا ليس هوسا، لكنه دلالة على التعب فعلا.
ينسجم هذا مع ادعاء الجمعية الطبية البريطانية بأن الأطباء الذين يعملون في مناوبات تزيد مدتها على 12 ساعة يصابون بالضعف كما لو أنهم كانوا يتعاطون الكحول. أثناء قيادتهم السيارة في رحلة العودة إلى المنزل يصابون بالنعاس ويتسبب ذلك في اصطدامهم بالرصيف، أو ما هو أسوأ.
ليس هناك شيء طبيعي في المناوبة الليلية. في الواقع جميع الفترات يمتد فيها العمل إلى زمن إضافي تجعلك تشعر بأنها غير طبيعية. أخبرني مساعد سابق لمادلين أولبرايت بأن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة دائما ما كانت تتكلم ببطء شديد مع فريق عطلة نهاية الأسبوع عندما كانت تتصل بهم هاتفيا، لأنها كانت تفترض أنهم الفريق البديل. في الواقع، كان هو الفريق نفسه، أثناء مناوبات تثير فزع أفراده.
لا نرى الكثير من ذلك في هيئة الإذاعة البريطانية، حيث يمتد عرض برنامج "توداي" خلال مناوبات مدتها 12 ساعة نهارا و14 ساعة ليلا. وهذا التداخل يتيح لنا فرصة ترتيب المواضيع والأشخاص الذين ستجرى معهم المقابلات وتمكين مقدمي البرنامج – الذين يعملون بشكل متواصل ومكثف من الساعة الرابعة صباحا إلى التاسعة صباحا، بواقع ثلاث مرات، أو أحيانا أربع مرات، كل أسبوع – من تحضير المواد الخاصة بهم في الساعة السادسة صباحا. عندما أصبحت مسؤولة التحرير، قبل أكثر من عام تقريبا، استشرتُ من كان يسبقني في المنصب حول شحذ الممارسات والتقليل من الأخطاء. قال لي: "ما تحتاجين إلى معرفته هو أن كل شخص متعب بشكل لا يصدق، وفي كل الأوقات".
وهم كذلك فعلا. لم أشهد مثل هذا النوع من التعذيب والتدرب على النوم منذ أن انضم ابني لوحدة عسكرية وتم تدريبه على كيفية النوم واقفا بعد 72 ساعة من العمل المتواصل.
يمتد نطاق عملي الأسبوعي بشكل عام من السادسة صباحا إلى السادسة مساء، أي المعادل الحديث للنطاق المعتاد حاليا من التاسعة إلى الخامسة. حين تتلقى مكالمة هاتفية في وقت متأخر من الليل لمناقشة ترتيب العمل في اليوم التالي فإن هذا يتسبب في تدمير فرصة النوم مبكرا. أستطيع أن أصف وضعي المعتاد بأني متعبة نوعا ما. يجب على مقدمي البرامج الخلود إلى النوم مبكرا للحصول على مزاج صاف وتفكير سليم.
هذه نصيحة طبية. الليدي سالي ديفيز، كبيرة الإداريين الطبيين في المملكة المتحدة، أوضحت لي – مستخدمة مصطلحات علمية بشكل أكبر – أن الدماغ يتغلف بمادة لزجة سامة خلال النهار. وهذه المادة تبدأ في التلاشي بعد الحصول على فترة نوم مناسبة ليلا.
أصبحت الآن أكثر تسامحا مع الأخطاء التي يرتكبها الإنسان. قبل فترة كان هناك اجتماعان، الأول مع منتج يعمل مع كبيرة المراسلين الدوليين لدى المحطة، ليز دوسيت، والثاني مع التنفيذي المكلف ببرنامج Dead Ringers الكوميدي عبر القناة الرابعة. بدأت الاجتماع الأول بإخبار زميلتي أنني وجدت أن عملها مبهج تماما وأنني أحببت الطريقة التي استخدمتها لإضفاء المرح على برنامج "توداي". حدقت بي وأشارت إلى أن التقارير الأخيرة كانت واردة من اليمن وسورية.
من غير الواضح ما هو تأثير الساعات التي يكون فيها معظم الناس على وشك النوم، أو نائمين بالفعل، على الإنتاجية، ناهيك عن تأثيرها على الشخصية. ألاحظ أن فريق الإنتاج لدينا يمثل أعلى مستويات التركيز عند تقديم البرنامج من غير الحصول على قسط كاف من النوم. ربما يكون أعضاء الفريق حينها غارقين في المواد السامة حول أدمغتهم، لكن استخدام نوع ما من آليات التعويض يؤدي إلى شحذٍ مُرافِق للحواس. هل هذا هو السبب في أن المفاوضات التي تتم ليلا – سواء محادثات السلام مع إيرلندا الشمالية، أو محادثات بريكست، أو قمة الاتحاد الأوروبي – يغلب عليها التوصل إلى الاتفاقيات مع طلوع الفجر؟ أم أن السبب يكمن فقط في أن الوقت قد نفد؟
في نهاية المطاف يختار الناس على مضض نوعية الحياة. منتجو برنامج "توداي" يعيشون على الهيبة والمهنية والاحتراف في العمل، لكن سيأتي وقت يختار فيه كثيرون العائلة والأصدقاء بدلا من هذه الأمور. على الأقل كانوا قد حصلوا على التحفيز من خلال الوظائف المثيرة للاهتمام والرواتب الجيدة التي يستطيعون العيش من خلالها، إن لم يكن التعايش معها. ماذا عن العاملين في الأوقات الليلية من خلال عقود غير محددة الزمن، دون أي رضا وظيفي تعويضي؟ تسبب ظهور الاقتصاد حسب الطلب – في أي وقت وأي مكان – في تحقيق منافع هائلة للمستهلكين، لكننا لم نفعل أي شيء لتقدير الآثار الضارة التي تقع على الإنسان.
لدينا الآن أعداد أطباء أكثر يعملون في عطلة نهاية الأسبوع استجابة لمطالب المرضى، لكن هل نشعر بدهيا، كما شعرت الوزيرة أولبرايت، بأنهم ليسوا في وضع سليم في ذلك الحين؟ نحن نتطلع إلى الأتمتة بخوف، لكن هل يمكن أن تسمح لنا أيضا بأن نصبح أكثر إنسانية؟
بعد أن تأخرتُ قليلا عن موعد لقاء وزير شارك في آخر مفاوضات البريكست، نظرت إلى الأعلى لمعرفة الوقت على ساعة بيج بن وتفهم السبب في أن السياح يشعرون بتعرضهم للخداع عندما يرون مبنى البرلمان محاطا بالسقالات. هناك شيء شكسبيري نوعا ما يتعلق بتوقف الساعة في الوقت الذي تنزلق فيه البلاد في الخلافات. لا عجب في أن الحكومة تريد أن يدق جرس بيج بن عندما نغادر الاتحاد الأوروبي في 29 آذار (مارس). لكن لمصلحة من؟



*مسؤولة تحرير برنامج "توداي" الذي يبث عبر القناة الرابعة لهيئة الإذاعة البريطانية.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES