Author

وقفة تأمل .. أمام مجتمع عظيم

|
أتاحت لي فرصة شهر رمضان المبارك ثم عيد الفطر وما بعدهما من مناسبات اجتماعية، وقفة تأمل في عظمة مجتمعنا، ومع ذلك لا أحد يتحدث عن الإيجابيات في هذا المجتمع، إنما تبرز السلبيات لو كانت صغيرة وبشكل مبالغ فيه، ومن أهم الإيجابيات ترابط ليس له مثيل. ففي المسجد، يأتي الأب يتبعه أبناؤه فيدخلون ويقفون في الصف بالترتيب حسب أعمارهم، ويتقدم أصغرهم بعد الصلاة ليحضر حذاء والده، ويفتح الابن الثاني الباب لهم ولغيرهم من المصلين، خاصة كبار السن. وبعد صلاة العيد، يتبادل الجميع التهاني حتى من لا يعرفونهم، وأجمل ما في الصورة حرصهم على الوافدين، والسلام عليهم بحرارة وابتسامة تخفف عنهم الشعور بالغربة، وهذا هو خُلُق المسلم الحق. وفي اللقاءات التي تلي عيد الفطر المبارك، ومنها الأفراح، تجد صورة المجتمع المترابط تتجلى في أوضح صورها، فمعظم مَن يحضر حفل الزواج لا يريد من الشخص المعني أي مصلحة أو منفعة خاصة، إنما حضر مدفوعا بواجب ديني واجتماعي، وبما تعلمه من آبائه وأجداده، وما زال يحافظ عليه، رغم اندثار هذه القيم في مجتمعات أخرى. وعلى كل فرد منا مسؤولية المحافظة على هذه النعمة الكبرى، كي يبقى مجتمعنا مترابطا، ويحافظ الفرد فيه على تلك القيم بأن يطبقها شخصيا.. ولقد روى لي شخص قصة فيها من العبرة شيئا كثيرا، حيث قال إن شخصا كان لا يهتم بدعوات المناسبات التي تُسلَّم له، ويعد حضورها مضيعة للوقت.. وحينما جاء دوره واستعد لزواج ابنه دعا أكثر من 400 شخص، ولم يحضر إلا ربع هذا العدد أو أقل، فاستغرب صاحبنا، وسأل صديقا له بعد انتهاء الحفل: ما بال الناس لم يحضر منهم إلا قليل؟! وكان الرد مفحما، حيث قال: اسأل نفسك، فأنت لا تلبي الدعوات، والناس ليست في مجاعة للحضور لتناول وجبة الطعام، إنما يحضرون تقديرا لمن يلبي دعواتهم. والشيء المطمئن أن هذا النوع من الذين لا يحترمون العلاقات الاجتماعية قليل عددهم في مجتمعنا، وما يقال عن الأفراح ينطبق على الأتراح، فمن تحدث لديه وفاة، أو يصاب بمرض، تجد الجميع ممن يعرف أو لا يعرف حوله، يواسونه، ويدعون له بالشفاء، ولمن توفي بالرحمة والغفران.. ومن هذه الوقفة أقول، إن مجتمعنا لم يُعطَ حقه من الكُتاب والمفكرين للإشادة بترابطه، الذي نراه يفشل مخططات الحاقدين المستهدفين بلادنا بمعرفات مجهولة، وأسماء توحي أنها سعودية، وهي تدار من الخارج، ومن دول معروفة لا تريد لبلادنا الخير. وأخيرا، بلادنا لديها عناصر قوة معروفة، ومنها القيادة الحازمة والقوة العسكرية والسياسية والاقتصادية، ويضاف إليها بكل جدارة قوة المجتمع المترابط، حتى إن ظهرت بعض الاختلافات الفردية النادرة في وجهات النظر، التي غالبا تحملها وسائل التواصل الاجتماعي، فإن الترابط أقوى، والقيم أكبر من كل المحاولات والتحديات، وعلينا أن نؤكد دائما أن بلادنا غنية برجالها وقيمها ووحدتها الوطنية، وليست غنية بالبترول فقط، كما يعتقد بعضهم، وعلينا أيضا أن نركز على الإيجابيات، وما أكثرها في مجتمع يتمسك بالقيم الإسلامية والإنسانية بشهادة المنصفين حتى من غير المسلمين.
إنشرها