Author

التحدي بعد رمضان

|

بعد أن ودعنا رمضان، ورغم ما يقال عن ضيق الأنفس الذي ينتشر فيه مع ارتفاع درجات الحرارة والجوع وفقدان الارتباط اليومي بوسائل تهدئة المزاج "المزعومة" كالقهوة والسجائر لدى البعض، يبقى رمضان شهر العفو والرحمة، ولعل أهم ما وجه به النبي- صلى الله عليه وسلم- الناس في المجال هو عدم الدخول في الجدال والبعد عن الاحتكاك المباشر والخلاف مع الآخرين، وهو ما يوضحه الحديث المشهور "عن أبي صالح الزيات أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى اللهم عليه وسلم: قال الله: كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنةٌ، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحدٌ أو قاتله، فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما، إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
الهدي الذي يوجهنا إليه الحديث الشريف فيه اعتراف بأن الابتعاد عن الطعام والشهوات، قد يؤدي إلى الخلاف والسباب وغيرهما من الأعمال التي يعبر بها بعضنا عن الضيق والاختلاف، فليس الأمر محصورا بنا معشر مدمني القهوة أو المدخنين، وإنما هي بشرية.
التحدي الأكبر في هذا الحديث الشريف هو التحدي، الذي ينجح فيه المؤمن دوما، وهو عدم الخضوع للشهوات والرغبات والنزعة الشخصية. هذا المبدأ الذي نقع تحت تأثيره في أغلب ما نكابده من تكاليف الحياة، وتبنى عليه المفاهيم الفلسفية للحياة الدنيا هو مسير للنجاح في تحقيق متطلبات الإنسان.
ففي الصحة، نبتعد عن الشهوات والملذات، ونتكبد الصعوبات كالرياضة لنضمن جسدا صحيحا مقاوما للمرض، ثم طبق هذا على كل مدارج السلوك البشري، فالنجاح الوظيفي مربوط بالانضباط ومقابلة الصعوبات، فهو نتيجة الابتعاد عن الشهوات والرغبات الإنسانية، والنجاح الدراسي والاجتماعي، فليس غريبا أن يرتبط النجاح في الوصول إلى المبتغى النهائي، والفوز برضا المولى جلت قدرته والجنة بكرمه تعالى. فالجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، وكذا حال كل نجاح وفشل.
هنا نعلم أهمية الصوم في كبح الرغبات البشرية؛ لأنه مسيطر حقيقي على حياة الإنسان يوجهه نحو تحقيق النتائج الإيجابية، فالعفو والصفح قد يكونان في حالات كثيرة من أصعب ما يمكن أن يحققه الفرد بحكم أنه يعاكس الرغبة البشرية في الرد والانتقام. التحدي الأهم هو الاحتفاظ بروح رمضان بعد انقضائه.

إنشرها