default Author

النبوءات الذاتية تصنع المعجزات

|

يحكى أن نحاتا يونانيا بارع يدعى "بجماليون" كان عازفا عن النساء فقد الاهتمام بهن وبصحبتهن ويراهن مخلوقات ناقصة، لذا لم يكن مستعدا أن يرتبط بهن ولا أن يضيع وقته في الحب والزواج وكرس نفسه لفنه، وربما ليرى المرأة الكاملة التي يتخيلها وليس لها وجود في الحقيقة، قام بصنع تمثال لامرأة غاية في الجمال والكمال لدرجة من جمالها وافتتانه بها كان يستعمل الأزميل برقة كي لا يؤذيها، لقد تخيلها امرأة حقيقية وأحبها حبا شديدا وهو الكارة للنساء، فألبسها أفخم الثياب وراح يقدم لها الهدايا من ورود وحلي وملابس، وقدم القرابين لآلهة الحب ثم عاد ليقبلها، لتتحول فجأة لكائن حي! حبه لها وإيمانه بها وأنها حقيقة حولها إلى امرأه بالفعل كما تقول الأسطورة ودبت الحياة في التمثال وأسماها جاليتا وتزوجها بجماليون!
هنا تنتهي أسطورة بجماليون لتمنح للعلماء والأدباء بابا واسعا من البحث والعلم والإيمان لدراسة العلاقة بين إيمانك وظنك الحسن في من حولك حتى لو لم تصرح بذلك ونجاحهم وتقدمهم من مجرد شعورك تجاههم وإيمانك بهم، فتوقع حدوث أمر ما يجعله يحدث وتوسمك الخير في من حولك سواء أبناءك أو طلابك أو موظفيك يجعلهم أفضل ولله المثل الأعلى القائل في الحديث القدسي "أنا عند حسن ظن عبدي بي"، ذلك التأثير الساحر المبهر الذي أثبتته الدراسات وخصوصا الدراسة التي قام بها العالم النفسي "روبرت روزنتال" لتسمى هذه النظرية باسمه "تأثير روزنتال"!
تعمل هذه النظرية بتسلسل معين ومحكم وعلى أربع مراحل:
1- اعتقادات الأشخاص عنا، تؤثر في أفعالهم تجاهنا.
2- أفعال الآخرين تجاهنا يؤثر ويعزز اعتقاداتنا عن أنفسنا.
3- اعتقاداتنا عن أنفسنا تؤثر في أفعالنا تجاه الآخرين.
4- أفعالنا تجاه الآخرين تؤثر في اعتقادات الآخرين تجاهنا.
ويركز تأثير بجماليون على توقعات الآخرين تجاهنا والتي تدفعنا للأحسن ولأهميتها وأثرها فقد أعيد استحضارها في الكثير من الأعمال الفنية والروايات والمسرحيات مثل مسرحية الأيرلندي الشهير برنارد شو والأديب العربي توفيق الحكيم وفي الأوبرا وعكس تأثير بجماليون الإيجابي تأتي نظرية جوليم أو "تأثير جوليم" نسبة إلى كائن من طين صنع ليحمي اليهود والتي تؤدي فيها التوقعات الضعيفة للأفراد إلى ضعف وسوء أدائهم، تتوافق النظريتان في الأساس وتختلفان في النتائج!
وخلافا للسائد في مجتمعاتنا العربية من المطالبة الدائمة بتقليل سقف توقعاتنا وآمالنا في الآخرين كي لا نصدم بالواقع، تأتي هذه النظرية لتقول امنح من حولك الثقة وآمن بقدراتهم واترك عقلك يرسل لهم رسائل خفية بلا صوت ليمنحوك أفضل ما عندهم فجسدك يحكي حتى لو لم ينطق لسانك ورسائلك الذهنية لمن حولك تجد مجتمعا يمنحك أفضل النتائج.

إنشرها