Author

عتق رقبة

|

انتشرت في الفترة الأخيرة عمليات المبالغة في الديات، وأدت إلى كثير من النقاش الجاد حول الدوافع التي يمكن أن تبرر ما يفعله بعضهم. إن المبالغة في الديات أوجدت كثيرا من الممارسات غير السوية، التي أدت إلى ظهور حالات من التجاوز غير المقبول في السلوك والأشخاص.
تحديد مبالغ خيالية قد يكون بهدف التعجيز، لكنه في واقع الأمر يشير إلى حالة من عدم التوازن المجتمعي لدى من يمارسون مثل هذا السلوك أو يقبلونه على أنفسهم وأسرهم. إن المطالبة بالمبالغ الكبيرة، التي يحملها بعض مَن يمارسون دور الوساطة، لا يمكن أن يتقبلها المجتمع، ويستمر في تمريرها كوسيلة للتعامل بين الأسر والقبائل التي يضم أفرادها العلاقة الأسرية، لكنها ليست الرابط الوحيد لهذه الأسر وهؤلاء الأفراد.
الروابط التي يفتخر بها أغلب من ينتمون إلى القبيلة تتجاوز ذلك إلى الفخر بالتاريخ وأفعال الرجال والنساء في ماضي وحاضر القبيلة، إن فُقِدت هذه الجزئية، فقد تفقد القبيلة قدرا كبيرا من أسباب انتماء الأفراد إليها. لا يمكن أن يعد أحد الكرم والسماحة مرفوضين في أي قبيلة كأسس للتعريف بالقبيلة والفخر الذي يدفع الناس للتغني بماضي وحاضر قبيلتهم. فكيف أصبحت عملية التحدي المالي جزءا مقبولا من السلوك الشخصي داخل القبيلة.
هذه القضية يجب أن تعالج بطريقة شعبية بعيدا عن تدخل الأجهزة الرسمية، وأن يصدر فيها ميثاق شرف بين القبائل يجرم هذه المتاجرة والتنافس والتحدي، الذي أعده مسيئا لاسم أي قبيلة أو أسرة. فمن أراد أن يعفو فله ذلك، وليفعل ابتغاء مرضاة الله، وتفضلا على من أخطأ في حقه، وهذا من أكرم وأنبل الأخلاق، وهو ميزة لمن يفعله دون أي شك.
صحيح أن هناك ألما وحرقة تطول كل أهل القتيل، وهذا هو ما يجعل العفو في حالتهم أعظم قيمة وأجزل أجرا.
ما أدعو إليه هنا هو محاولات جادة وعقوبات اجتماعية لمن يتاجر في هذا الأمر ممن اتخذوه وسيلة للغنى أو الظهور الاجتماعي، وهم غير قليل، كما أنه يمنح العافين منازل أكبر واحتراما أجل في قبيلتهم. وإن كان هناك رب أسرة قُتل ووراؤه من يحتاجون الرعاية، فقبيلتهم أولى بضمهم، ويمكن أن تتعاون القبيلتان في توفير حياة كريمة بديلة للأسرة المحتاجة. والبحث في هذا الأمر يطول ويستوعب كثيرا.

إنشرها