default Author

الإعلان في الأسواق الناشئة والاستراتيجيات

|

تترتب على دخول المعلنين للأسواق الناشئة، آثار أبعد من الترويج لمنتج أو خدمة معينة.
ظل العميل فترة تقارب 50 عاما محور اهتمام الشركات التي تجنبت سياسة "قصر النظر التسويقي"، لكن تشير دراسات حديثة إلى أنهم تعلموا الدرس جيدا. فمن خلال فشلهم في رؤية التأثير الاجتماعي لعملية صنع القرار، طوروا نوعا جديدا من التسويق قصير النظر، الذي يشوه الرؤية الاستراتيجية، ويمنعهم من الإدراك والانخراط في القضايا الأخلاقية.
في الأسواق الناشئة، قد تكون الآثار المترتبة على ذلك أكثر خطورة، فالمسوقون الذين يصبون تركيزهم على العملاء وتحقيق النتائج على المدى القصير، غير آخذين في الحسبان التأثير الكامل لما يقومون به، قد يتركون أثرا كبيرا في هوية المجتمع وأخلاقياته.
هذا الرابط بين السلوك الأخلاقي والتسويق ليس بالأمر الجديد، وقد كتب الأكاديميون كثيرا عن عمق صناعة الإعلان وأثرها في الثقافة، سواء من خلال المنتج الذي يروجون له "أو الرسالة المراد إيصالها"، أو الطريقة التي تدار بها الإعلانات التجارية. فالعاملون في مجال الإعلان والتسويق يشكلون نقطة التقاطع لبعض العلاقات المعقدة بين الزبائن والعملاء، ووسائل الإعلام، والمجتمع. ويُحدِث المحتوى الذي يسوقون له من خلال وسائل الإعلام العالمية أثرا مستمرا على عملية التبادل الثقافي. وفي حين قد تترتب على القيام بذلك آثار إيجابية، إلا أنه قد يتسبب في المتاعب في حال لم تحترم الرسائل والصور، التي تم استخدامها، الثقافة المحلية، أو إذا مست مواضيع تثير حساسية المستهلكين، راعت دراسة حديثة أجرتها مينيت درامريت، أستاذ مساعد في الدعاية في جامعة تكساس في أوستن، وسارة كمال، باحثة في الاتصالات التسويقية والإعلانية تتخذ من الإمارات مقرا لها، الآثار البعيدة المدى لمجال الإعلان "العادات والمعتقدات/ هابيتوس ودوكسا" (الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى التصرف على نحو معين، ومعتقداتهم السائدة) على ثقافة كل من المستهلك والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولوحظ من خلال مقابلات مسهبة أجريت مع 39 من العاملين في حقل الإعلان في وكالات محلية وأخرى عالمية في جميع أسواق منطقة الشرق الأوسط، أن خبرات وفهم وأسلوب المهنيين في قطاع الإعلان، قادرة على التأثير في سلوك وتوقعات المجتمعات، وتعزز وربما تسهم في إيجاد هويات عابرة للحدود، جديدة مثل "المستهلك المسلم المعاصر".
شهدت أسواق الشرق الأوسط الناشئة على مدى العقد الماضي، نموا متسارعا وطفرة في الإعلام والأسواق الاستهلاكية للمنتجات العالمية، وأسهم ذلك بدوره في إعطاء العاملين في مجال الإعلان والتسويق دورا مؤثرا كوسطاء للثقافة. ومع ذلك، فإن كثيرا من الميزات التي جعلت من هذه الأسواق أكثر جاذبية لفرص الأعمال، جعلتها أيضا مهيأة للتجاوزات الأخلاقية. فمع صعود جيل الشباب، وارتفاع معدلات الأمية، وانخفاض معرفة الإقناع مقارنة بالأسواق المتقدمة، فإنه ليس من قبيل المصادفة أن أنباء الشرق الأوسط تغطي على نحو متزايد الحوادث التي تثير مخاوف أخلاقية مهمة، مثل الدعاية المضللة، التعدي على حقوق النشر، استهداف الأطفال بأطعمة وألعاب غير صحية، والترويج لمنتجات مثيرة للجدل على الصعيد الاجتماعي، مثل القروض المصرفية للجراحة التجميلية.
أشار الأشخاص خلال المقابلات إلى القضايا الأخلاقية التي يعتقدونها منتشرة وذات أهمية من وجهة نظرهم، أو التي من المحتمل أن تظهر مستقبلا. وتم تقييم إجاباتهم على أنها ظواهر شائعة وغير شائعة ونادرة، وتمت دراسة كل منها على حدة، وأيضا كيفية تفاعلها معا.
كانت النتائج مفاجئة. فكمثال على الظواهر الشائعة، استشهد الجميع بضعف القوانين "فيما يتعلق بالملكية الفكرية وحقوق المؤلف وحماية البيانات"، والتدخل المفرط للقانون.
وعن الظواهر غير الشائعة، أشار المشاركون إلى تأثر وكالات الإعلان بعدد كبير من الأشخاص غير الدائمين، والعمالة الوافدة التي لم تبذل جهدا لفهم الاختلافات والتعقيدات الأخلاقية في المنطقة، وأبدت استعدادها للتضحية بالنجاح والاستمرارية على المدى الطويل في سبيل تحقيق المكاسب على المدى القصير. فأظهرت شركات الإعلان القليل من الولاء تجاه عملائها، وقبلت ثقافة الخنوع، حيث يُعامل الأشخاص العاملون في هذا المجال كمستخدمين، وليس كشركاء من أصحاب الخبرة ومستشاري أعمال.
أوجد ذلك بيئة عمل تساعد على تفشي سلوكيات غير أخلاقية كظواهر نادرة، ما يعرض الأشخاص العاملين في مجال الإعلانات إلى "قصر النظر الأخلاقي"، الذي يعميهم عن المسائل والمسؤوليات الأخلاقية. ومن المثير للقلق، أن الحصانات الأخلاقية بدت أكثر وضوحا بين الأشخاص من ذوي الخبرة، الذين يُعدون قدوة لزملائهم في العمل الأصغر سنا وللقادة غير المؤثرين.
تم تحديد أخلاقيات التسويق بطرق عديدة، لكن جميعها تتمحور حول إذا ما كان المسوق أو المُعلن يفعل المطلوب منه بشكل أخلاقي، ليس فقط من الناحية القانونية. ففي عصر العولمة، تم تجاهل الأسواق الناشئة إلى حد كبير، مثل منطقة الشرق الأوسط، وركز الأكاديميون على صناعة الإعلان المتطورة في الغرب.
ويمكن رؤية الأشخاص العاملين في مجال الإعلان على أنهم "صناع الذوق"، أو المحرك الأساسي للاتجاهات الثقافية الجديدة، على اعتبار أنهم حلقة وصل بين العملاء والمستهلكين، ولكن عند انخراطهم في سلوكيات غير أخلاقية من خلال استغلال افتقار المستهلكين إلى المعرفة والخصوصية، أو الاستفادة من غياب اللوائح، أو الفشل في إدراك الحساسيات الثقافية، أو الانخراط في التنميط الثقافي، قد تكون لسلوكهم آثار بالغة الخطورة على المجتمع الذي يعملون فيه.

إنشرها