Author

النمو يعني الكثير .. الإنتاج والتنمية والاستدامة

|

الاقتصاد بنية مركبة جدا، وشاملة في الوقت نفسه، لا يمكن مشاهدة اتجاهاتها بشكل واضح حتى من خلال الأرقام العامة المفهومة، مثل البطالة ومؤشرات الانكماش والنمو.
فانخفاض معدلات البطالة - مثلا - لا يعني بالضرورة أن الاقتصاد في حالة جيدة، فقد تكون الأجور منخفضة جدا والإنتاج العام في أضعف حالاته، ولهذا لا بد في أحيان كثيرة من قراءة مؤشرات أخرى، مثل الناتج المحلي، الذي قد يسمح بتدخل الإنفاق الحكومي في سنوات معينة بميزانية توسعية، ما يرفع نسبة مساهمة الإنفاق في الناتج المحلي، وهو ما يدفع بمؤشرات النمو إلى الارتفاع، وبالتالي تصبح الأجور أفضل والتصدير في تحسن، ما ينعكس بشكل جيد على أرقام أخرى مرتبطة، مثل الناتج الوطني والتضخم، ويصحح قراءة البطالة.
وهكذا الحال مع المؤشرات الاقتصادية، فهي إن تمت قراءتها على حدة، فقد تعطي نتائج غامضة، وأي قرار يتخذ في ظل هذه المؤشرات المحدودة، قد يقود إلى أخطاء يصعب تداركها فيما بعد. ولهذا أيضا، فإن الحاجة إلى المحللين الاقتصاديين الخبراء ضرورة في المؤسسات الاقتصادية الكبيرة، وهؤلاء المحللون من جانبهم يحتاجون إلى مصادر غنية بالمعلومات، وتأتي الهيئة العامة للإحصاء لتوفر هذه المعلومات الدقيقة.
وقد أعلنت هيئة الإحصاء أخيرا ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي السعودي خلال الربع الأول من العام الجاري 1.15 في المائة، ويمكن القول، وفقا لهذا الرقم، إن الاقتصاد حقق نموا، وهو أمر مبشر، خصوصا أن هذه المؤشرات سجلت انكماشا خلال عام 2017، وجاء الدعم الرئيس لهذا النمو بفضل نمو القطاع غير النفطي 1.61 في المائة، ليبلغ 371 مليار ريال، مقابل 365.1 مليار ريال في الفترة المقارنة من العام الماضي، بزيادة 5.9 مليار ريال، وهذا القطاع يشمل الخاص والحكومي. وهذا النمو في الناتج المحلي يدل على أن الإنفاق ارتفع من أجل إنتاج خدمات وسلع، وهذا مطمئن جدا، ذلك أن النمو الذي معناه الإنتاج، يعني التنمية، ويعني الاستدامة، ويعني البقاء، بينما الانكماش يعني الضمور، ويعني التكاسل، ويعني الحذر. لكن مرة أخرى، فإن قراءة مؤشر وحيد قد تعطي معلومات خاطئة، فمع بشارات النمو في الناتج المحلي للربع الأول لعام 2018، إلا أنه يجب على "هيئة الإحصاء" أن تعلن الناتج الوطني، فهو إلى جانب الناتج المحلي يعطي صورة أصدق عن مصدر النمو وتوجهاته، ذلك أننا في حاجة إلى التركيز على مصادر النمو وآثاره الرئيسة، والدفع بها إلى الأمام بشكل أفضل. لقد تحسن التصدير في المملكة بشكل لافت، وهذا يدخل ضمن حسابات الناتج الوطني، ويهمنا جدا أننا نربط بين الناتج المحلي، الذي يأتي من الإنفاق الحكومي مع برامج زيادة الصادرات؛ حيث نريد توجيه مثل هذا الإنفاق نحو دعم نمو الناتج الوطني.
لكن بعيدا عن تعقيدات تفسيرات الأرقام الاقتصادية، فإن الخروج من انكماش الناتج المحلي لأسباب ندرك أن جزءا منها يعود إلى قرارات معينة لإعادة ترتيب أولويات الإنفاق، ما حدا بالحكومة إلى إيقاف مشاريع عدة، وإعادة جدولتها حسب أهميتها وقدرتها على إضافة القيمة للاقتصاد، وأثبتت أرقام الناتج المحلي للربع الأول لعام 2018 أن هذه القرارات عادت لتقودنا إلى نمو حقيقي بإنفاق منضبط، وهو الهدف الأساس من إدارة الاقتصاد.

إنشرها