Author

العملة الرقمية .. والحرب التجارية العالمية الجديدة

|
ضمن أجندة اقتصاد المعرفة الذي يتسابق على تطبيقه – في هذه الأيام – كل دول العالم.. تأتي قضية العملات الرقمية لتحتل حيزا كبيرا في مجالات اقتصاد المعرفة. والعملات الرقمية هي الأموال الافتراضية المستخدمة على شبكة الإنترنت، وتتميز بكل الخصائص والمزايا التي نعرفها في العملات التقليدية، فمثلا مثلما نستطيع أن نتعامل مع العملات التقليدية في البيع والشراء وصرف الرواتب والتحويل والإيداع والاستثمار والادخار، فإننا نستطيع عبر الإنترنت أن نحصل على العملات النقدية من عمليات البيع والشراء والتحويل والتبادل وعقد الصفقات بأنواعها وإلى غير ذلك من الاستخدامات المالية والمصرفية، وإضافة إلى ذلك فإن العملات الرقمية ليس لها حدود جغرافية أو سياسية، فهي عملات تجوب أجواز الفضاء الفسيح بدون قيود أو حدود. تعتبر الـ"بيتكوين" واحدة من العملات الرقمية التي دخلت الأسواق العالمية بقوة، وأصبحت ظاهرة عالمية تنتشر بين الناس في كل مكان من العالم، ولقد ارتفعت قيمتها لأكثر من النصف في العام الماضي 2017، بل في مارس من عام 2017 حطمت عملة الـ"بيتكوين" الحواجز القصوى غير المرئية للعملات الرقمية، وتجاوزت قيمة الذهب لأول مرة في التاريخ. الرئيس الأمريكي سبق له أن هدد بفرض ضرائب إضافية على بعض السلع الصينية والأوروبية، وبذلك وضع الرئيس الأمريكي سوق التجارة العالمية في أزمة تجارية سوف تتفاقم في الفترة المقبلة، أي أن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى "روشتة" عاجلة لوقف الحرب التجارية العالمية المقبلة. الحرب التجارية المعلنة الآن بين الولايات المتحدة والصين، التي دخلت بالفعل في حدود الحرب التجارية العالمية.. باتت تهدد الاقتصاد الدولي وتنذر بأزمة عالمية مؤلمة قبل أن يستكمل الاقتصاد الدولي تعافيه ويقضي على آلام الأزمة المالية التي اجتاحته في عام 2007. منذ وقت قريب أطلقت حرب العملات شرارتها الأولى بين الولايات المتحدة والصين، حيث تنفذ الولايات المتحدة – منذ السبعينيات – سياسة نقدية تهدف إلى خفض سعر الدولار، فهي تشتري العملات الأجنبية مقابل الدولار، ونذكر – على سبيل المثال – أنها اشترت المارك الألماني في عام 1985 واشترت الين في عام 1998 واشترت اليورو في عام 2000، ولكن الولايات المتحدة في هذه الأيام تطالب الصين أن ترفع سعر اليوان حتى ينخفض العجز التجاري الهائل للولايات المتحدة مع الصين. ويلاحظ المرء وهو يجوب كل أسواق العالم أن السلع الصينية تجتاح الأسواق العالمية بأسعار مخفضة وجودة بدأت تتحسن وتسبق غيرها من السلع والخدمات الآتية من أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان. ولذلك فإن اليابان والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الناشئة انضمت إلى الولايات المتحدة وأصبحت تطالب الصين برفع سعر اليوان قبالة العملات الأخرى، لافتة النظر إلى أن الولايات المتحدة قبل الصين كانت وما زالت – كما أشرنا – تنفذ سياسة نقدية تهدف إلى خفض سعر الدولار، ولكن الصين في المقابل تشتري ما متوسطه مليار دولار يوميا في محاولة منها لتجفيف الأسواق من الدولار وإبقاء سعر الدولار مرتفعا وسعر اليوان منخفضا، وهكذا تتصاعد حرب العملات في محيط الدول العالمية الكبرى. واليوم اشتعلت الحرب التجارية العالمية، ولعلنا نلاحظ أن الأزمات المالية التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي.. هي أزمات تبدأ في الدول الغربية، ثم تتسلل إلى كل دول العالم، وحينما تأخذ صفة العالمية، فإن الدول من خارج الدول الغربية مجبرة على دفع الثمن لإصلاح النظام الاقتصادي الدولي الذي خربه الغرب، وإذا رجعنا إلى تاريخ صندوق النقد الدولي نلاحظ أنه نشأ خصيصا لإيقاف عمليات حرب تخفيض العملات التي انطلقت من الأسواق الغربية في أربعينيات القرن الماضي. وما زال النظام النقدي الدولي يعاني ضعفا وهزالا في مواجهة الأمراض التي تحيق بالاقتصاد الدولي، وإذا كانت الصين لا تستجيب لنداءات الولايات المتحدة وتصر على بقاء العملة الصينية عند مستواها الحالي بانخفاض يصل إلى 20 في المائة تقريبا من السعر الحقيقي، إنما تفعل ذلك لأنها تعرف تماما الضعف الذي يعانيه النظام النقدي الدولي الحالي، وهي لذلك تعمل على استغلال هذا الضعف فيما يعود عليها بالفائدة. أما بالنسبة للدول الناشئة كالبرازيل والهند وكوريا الجنوبية والأرجنتين، فقد وجدت نفسها في قلب حرب تجارية شرسة طرفاها الرئيسان الولايات المتحدة والصين، وهذه الدول بدأت تضرر من سياسة خفض العملات وأرادت أن تحمي نفسها، فركبت موجة خفض عملاتها والدخول كارهة في حرب العملات، بمعنى أن دولا عديدة انتهجت سياسات نقدية تهدف إلى خفض عملاتها حتى تسحب جزءا من الطلب على السلع الصينية التي أصبح لها القدح المعلى في جميع أسواق العالم، ويكاد كل إنسان سعودي يجوب الأسواق المحلية يدرك أن السلع الصينية تتميز بأسعار منخفضة جدا مقارنة بالسلع الواردة من الأسواق الغربية، أكثر من ذلك إذا ذهبنا إلى الأسواق في دول الاتحاد الأوروبي وأمريكا نجد أن السلع الصينية يزيد الطلب عليها أكثر من نظيراتها السلع الغربية، بل لا نغالي إذا قلنا إن السلع الصينية باتت الخيار الأول في الأسواق الغربية. ولكن الانخفاض الواسع للعملات الذي أحدث اضطرابا في أسعار الصرف حدا ببعض الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة إلى العودة إلى النظام الضريبي وفرض مزيد من الرسوم الجمركية لرفع أسعار السلع الصينية، هذا السباق إذا استمر طويلا سوف يؤدي إلى التورط في كساد يقضي على التحسن الذي حققه الاقتصاد الدولي في السنتين الماضيتين. وهنا يجب أن نشير إلى أن دور منظمة التجارة العالمية لم يكن له وجود رغم أن دور هذه المنظمة كان يجب أن يكون قويا إزاء إطفاء حرائق الحرب التجارية، لأن نظام التجارة الدولية الذي أرسته المنظمة سوف يتقوض بسبب هذه الحرب، ولكن يبدو أن منظمة التجارة العالمية تغط في نوم عميق لأنها ما زالت أسيرة مصالح بعض الدول التي كان لها مصلحة في كل ما يجري حاليا في الساحة الاقتصادية العالمية. وفي ضوء ذلك نستطيع القول إن الاقتصاد الدولي بدأ مرحلة مفصلية من مراحل الحرب التجارية العالمية, وبدأت الدول تتحلل من الاتفاقات الاقتصادية التي وقعتها تحت مظلة منظمة التجارة العالمية التي كانت تسعى إلى خفض الرسوم الجمركية، ما وسعها الجهد حتى يتحقق الهدف النهائي بوجود تجارة عالمية تتدفق بين الدول دون أي عوائق تذكر ودون رسوم جمركية أو بحدود دنيا للرسوم الجمركية. وبالنسبة لآثار حرب العملات على اقتصادات دول الخليج، فإن ارتباط عملات دول الخليج بالدولار يجعلها عند مرمى حرب العملات ويصيبها ببعض الشظايا التي تصيب الدولار، فمثلا في حال انخفاض الدولار يتبعه انخفاض في الريال والدينار والدرهم، ويسفر هذا عن انخفاض في كلفة الواردات من المناطق الأخرى التي تقوم صادراتها بغير عملة الدولار مثل منطقة اليورو حينما يتم استيراد السلع الأوروبية، أو منطقة الين حينما يتم استيراد السلع اليابانية أو منطقة اليوان حينما يتم استيراد السلع الصينية، وفي حال تراجع قيمة الدولار بالنسبة للعملات الرئيسة كاليورو أو الين، فإن كلفة السلع المستوردة تزداد، وعندئذ ندخل فيما يسمى استيراد التضخم. ونلاحظ – أنه رغم أن العالم يتجه إلى حرب تجارية عالمية – إلا أن الآثار السلبية على العملة الرقمية أقل بكثير من الآثار السلبية على العملة التقليدية، وقد تكون العملة الرقمية هي الملاذ للهروب من حرب قادمة للعملات سوف تؤثر سلبا في النظام الاقتصادي الدولي الذي بدأ يتعافى من أزمة 2007!
إنشرها