Author

رحى الحرب التجارية تدور

|

كل الأجواء تشير إلى أن حربا تجارية عالمية مقبلة، وهذه الحرب هي آخر ما يحتاج إليه العالم، الذي لا يزال يقاتل لاستكمال خروجه النهائي من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، رغم أنه تجاوز معظمها، وسار بخطوات بطيئة نحو الخروج. والحرب التجارية من أسوأ الحروب الاقتصادية، سواء كان العالم في أزمة أو في ازدهار. لماذا؟ لأنها تدمر كل العلاقات الدولية بصرف النظر عن متانتها أو هشاشتها، كما أنها، أي الحرب، تفتح الأبواب أمام معارك ستظل آثارها بعد إنهائها فترة طويلة. ومن هنا، يمكن فهم التحذيرات التي تطلقها المؤسسات الاقتصادية العالمية من مغبة نشوب الحرب التجارية، ومن غياب أدوات حقيقية لتجنبها، ناهيك عن عدم وجود قيادات عالمية يمكنها أن تؤثر إيجابيا في هذا المجال.
العالم في حاجة الآن إلى سياسات فاعلة، ليس للحفاظ على نمو الاقتصاد العالمي فحسب، بل لوقف رحى الحرب، ولا سيما بعد أن صارت الخلافات ضمن ساحة الحلفاء. فهذه الولايات المتحدة تفرض رسوما إضافية على واردات الحديد والألمنيوم الأوروبية، وقامت قبلها بفرض رسوم مشابهة على الصين بلغت أكثر من 50 مليار دولار، ومن المتوقع أن تفرض مزيدا منها لتصل إلى 200 مليار دولار لاحقا. كما أنها، أي الولايات المتحدة، تهدد بفرض هذه الرسوم أيضا على وارداتها من السيارات والمركبات الأوروبية، وهي - كما هو معروف - ضخمة. وفشل قمة دول مجموعة السبع الكبرى، التي عقدت أخيرا في كندا، يلخص المشهد الاقتصادي العالمي، خصوصا أنه لا توجد بارقة أمل على تراجع الإدارة الأمريكية عن خطواتها هذه.
ورغم أن بنك التسويات الدولية حث البنوك المركزية الكبرى على مواصلة رفع أسعار الفائدة، من أجل مزيد من الحراك الاقتصادي، إلا أنه اعترف بأن هذه الخطوة لن تكون مفيدة إذا ما استفحلت الخلافات التجارية بين الولايات المتحدة وبقية الدول الكبرى المستهدفة من واشنطن. بالطبع، لم تظهر بعد الآثار السلبية على قرار الرئيس دونالد ترمب رفع الرسوم على البضائع الأوروبية والصينية، إلا أنها قادمة لا محالة في مرحلة لاحقة، وهي مرحلة قريبة، ما يزيد التوتر على الساحة الدولية، فضلا عن أن الأطراف الأخرى أعلنت صراحة أنها ستمضي قدما في إجراءات مماثلة للرد على القرار الأمريكي. ولديها - كما هو معروف - كثير من الساحات التي يمكن أن تستهدفها بهذا الشأن، ناهيك طبعا عن أن ذلك سيزيد من تردي العلاقات بين الجانبين.
المهم الآن أن تكون هنا قناة تواصل حقيقية بين الأطراف المتنازعة تجاريا. غير أنه لا توجد أي علامات على ذلك، حتى في معسكر الحلفاء نفسه، فكيف الحال بالنسبة للجهات غير الحليفة لواشنطن. يجري هذا كله، بينما الاقتصاد العالمي يحقق بالفعل نقلات نوعية تحتاج إلى مزيد من الدعم، ليس فقط من خلال اتخاذ البنوك المركزية الكبرى سياسات مرنة، بل أيضا من جهة العمل على التقليل من الآثار المخيفة لمقدمات الحرب التجارية على مستوى العالم. هذه الحرب، ستضر بالدرجة الأولى الدول النامية، إضافة طبعا إلى الأضرار التي ستلحق بأطرافها، كما أنها ستمتص أي نمو مرتفع متوقع في المستقبل القريب. لكن مع الأسف، الأمور تجري من سيئ إلى أسوأ. في حين أن البلدان الأوروبية تعيش بالفعل حالة ما قبل الحرب رسميا!
في الفترة القريبة جدا، ستتضح الصورة أكثر، وهي في كل الأحوال قاتمة الآن، ومن المرجح أن تكون أكثر قتامة، إذا ما ظل التواصل مقطوعا بين الأطراف الرئيسة، وإذا ما استمرت المواقف على ما هي عليه.

إنشرها