أخبار اقتصادية- عالمية

الشركات «التريليونية» أخطبوط اقتصادي قادم .. أرباحها ضخمة وتدفع قليلا من الضرائب

 الشركات «التريليونية» أخطبوط اقتصادي قادم .. أرباحها ضخمة وتدفع قليلا من الضرائب

تتجاوز القيمة السوقية للعشرات من الشركات العالمية نصف تريليون دولار، فيما تقترب قيمة أخرى من التريليون دولار، وهي أرقام غير معهودة في عالم الدول، فضلا عن عالم الشركات. 
ومن المنطقي أن تثير تلك الظاهرة حفيظة خصوم النظام الرأسمالي من تحولها إلى أخطبوط يهدد اقتصادات الدول، لكن الجديد أن يأتي التحذير من مخاطر النمو المتواصل لهؤلاء العمالقة من مؤسسة رأسمالية كصندوق النقد الدولي، اتهمت دائما بالدفاع عن مصالح الدول الكبرى، وأنشئت في الأساس لتعزيز اقتصادات السوق والعولمة، فلا شك أن الأمر يتطلب وقفة لمعرفة إيجابيات ومخاطر نمو الشركات العملاقة.
ولم يعرف عن صندوق النقد الدولي بأنه كان في يوم من الأيام من المحرضين على النظام الرأسمالي، أو النمو الاقتصادي المتواصل، ولكن في التقرير الأخير له عن الاقتصاد الأمريكي يتساءل الصندوق بنبرة تحمل ملامح الرفض والاستنكار: هل باتت بعض الشركات الدولية كبيرة للغاية. مهيمنة للغاية؟ وهل يصب ذلك في المصلحة العامة؟، وهل نتيجة هذا النمو أن باتت العوائد المحققة على الأصول، وفي حال تلك الشركات الأسهم تتجاوز بمراحل الأجور التي يحصل عليها العاملون فيها؟ وهل يمثل ذلك أرضية تؤدي إلى تفاقم الفجوة المجتمعية بين الأثرياء من جانب والطبقة العاملة من جانب آخر؟
ويقول التقرير "إن قوة الشركات في السوق باتت شديدة الوضوح في عديد من الصناعات، وأصبح لها تأثيرات اقتصادية كبيرة ومهمة.. والهوامش بين الأسعار والتكاليف المتغيرة آخذة في الارتفاع باطراد منذ عام 2010، وهذا يكشف عن تركيز في الربحية". 
الدكتور وليم أوسكار أستاذ الاقتصاد الدولي يعد أن تقرير صندوق النقد الدولي يدق جرس الإنذار ولكن بعد فوات الأوان. 
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الشركات العملاقة باتت ظاهرة لا يمكن التجرؤ على التصدي لها بالأساليب الاقتصادية المعتادة، إذ يعني ذلك هزة ضخمة للنظام الرأسمالي العالمي، وحالة من الغليان الدولي، خاصة في أسواق المال وتحديدا في أسواق الأسهم، وربما كان الأمر يتطلب تشريعات حذرة للتعامل التدريجي مع تلك الشركات للحد من هيمنتها المفرطة". 
وأشار أوسكار إلى أن "الشركات الدولية العملاقة مثل أمازون وآبل وجوجل وعلي بابا وفيسبوك باتت تمتلك أرباحا ضخمة وسيولة مالية كبيرة للغاية، وهذا يمنحها مقدارا هائلا من الطاقة، والقدرة على التأثير على الأسواق بوسائل مختلفة، بل الأكثر خطورة أنها قادرة الآن على فرض مزيد من الرسوم على منتجاتها وخدماتها دون أن يكون لدى المستهلك قدرة حقيقية على الرفض".
وبطبيعة الحال يرفض بعضهم وجهة النظر تلك، ويرى أنها تتناقض مع أوليات النظام الرأسمالي، ويقول لـ"الاقتصادية"، ريتشارد روبرت الخبير الاستثماري، إن "الشركات العملاقة تستثمر بشكل كبير لتحسين المنتج والخدمات بمعدل أكبر كثيرا من منافسيها، وهذا يصب في نهاية المطاف في مصلحة المستهلك.. ولكن ما يتغاضى عنه كثير من المحللين يكمن في الفوائد، التي تعود على المستثمرين في تلك الشركات، فالشركات العملاقة مصدر دخل رئيس للمساهمين فيها، وفي مقدمتها على سبيل المثال صناديق التقاعد، كما أن معدلات الأرباح الضخمة، التي تحققها تترافق مع ضرائب ضخمة تصب في خزينة الدولة".
إلا أن قضية الضرائب المتحصلة من الشركات العملاقة تمثل حاليا محل جدل كبير في عديد من الأروقة الاقتصادية. 
فكثير من الحكومات ترى أن ما يتم تحصيله من تلك الشركات لا يتناسب مع معدلات الأرباح المحققة، وأن أغلبها يتحايل على الثغرات القانونية لتجنب دفع الضرائب الواجبة على الأرباح، وهو ما يؤدي إلى خيبة أمل في الأسواق، خاصة من الشركات الصغيرة، بل ويعيق الشركات الصغيرة عن التطور، ولهذا المناخ غير الإيجابي من ممارسة النشاط التجاري والمالي، انعكاسات سلبية أدت إلى صعود السياسات المعادية لتلك الشركات في عديد من البلدان المتقدمة اقتصاديا. 
وأشار تقرير صندوق النقد الدولي إلى أن عدم دفع الشركات العملاقة للضرائب الواجبة سيكون له تداعيات مستقبلية "تشير الأدلة إلى أن هذه التطورات لها آثار مهمة على النتائج، بما في ذلك احتمال انخفاض قدرة الدولة على الاستثمار المستقبلي في البنية التحتية، وكذلك قدرة الحكومات على الإنفاق على البحث والتطوير، فضلا عن التأثير على حصة العمالة من الدخل".
وربما يفسر ذلك النبرة المتصاعدة في عدد من الاقتصادات المتقدمة بضرورة تغيير الطريقة، التي تفرض بها الضرائب على شركات التكنولوجيا الكبرى، التي تعد في مقدمة الشركات العملاقة في العالم. 
ويقترح الخبراء حاليا فرض الضرائب على "التدفقات النقدية" لتلك الشركات، وذلك عبر فرض الضرائب مثلا على إيرادات الإعلانات بدلا من فرض ضريبة على الأرباح، التي يمكن نقلها بسهولة نسبية من بلد إلى آخر. 
ويوضح لـ"الاقتصادية"، جيمس دانيل الخبير الضريبي "يصعب إنكار أن الضرائب المدفوعة من بعض الشركات العملاقة لا تتناسب مع أرباحها، ولكن إذا كان هناك حاجة لتعديل النظام الضريبي فلا يجب وضع أعباء غير عادلة على الشركات، التي تستثمر بصدق لإيجاد قيمة اقتصادية مضافة، ويجب أن تكون الأطروحات الضريبية في إطار دعم التنافسية السوقية، مع الأخذ في الاعتبار بالطبع أن اللاعبين المهمين ليسوا دائما الأفضل للمستهلك، على الرغم من ارتباط المستهلك بما يقدمونه من منتجات أو خدمات". 
ومع هذا، فإن بعض الخبراء الاقتصاديين يدعون إلى النظر إلى المشهد العام للشركات العملاقة في ضمن أطر أكثر شمولية، فلا أحد يستطيع أن ينكر أن تلك الشركات أكثر إنتاجية، وتدفع أجور أعلى للعاملين فيها، وتتمتع بأرباح أعلى، وأكثر نجاحا في الأسواق الدولية، بل يمكن ربط الأداء الاقتصادي لبلد ما بعدد الشركات العملاقة فيه. وقد سبق وأشارت إحدى الدراسات الممولة من الاتحاد الأوروبي، بأن سبب تقدم ألمانيا على سبيل المثال على كل من إسبانيا وإيطاليا يعود إلى أن الشركات الألمانية أكبر من نظيرتها الإسبانية أو الإيطالية بنحو 40 في المائة.
إيمالي توماس الباحثة الاقتصادية تعتقد أن التجارة والإبداع ليس مستقلين، ولكن يتفاعلان بطرق متعددة، وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن انخفاض تكلفة التجارة تشجع على الابتكار، لأنها تسمح للشركات بأن تكون أكبر، وهذا يسهل على الشركات تحمل التكلفة الثابتة للبحث والتطوير، فالبحث والتطوير هو السبب الرئيسي، الذي يبطئ أو يسرع نمو الشركات".
وتستدرك قائلة "من هنا يأتي الدور المركزي للشركات العملاقة، بالتأكيد هناك عدد من المخاطر، التي يمكن أن تنجم عن تغول تلك الشركات على الدول، ولكن حتى الآن لم يتم رصد مثل هذا التطور، بل إن بعض تلك الشركات مثل "فيسبوك" و"جوجل" و"أمازون" يتعرض لهجوم وانتقادات حادة من دولها تجعلها في موقف المدافع، ولذلك فالشركات العملاقة تمثل قاطرة للاقتصاد الوطني، وقدرتها على البحث والتطوير تعوض إلى حد ما القصور الذي يمكن أن يحدث في هذا القطاع الحيوي نتيجة تنامي العجز في الميزانية العامة".
ويشير الخبراء إلى أن الملاحظات السلبية بشأن تنامي القوة الاقتصادية للشركات العملاقة، لا يجب أن تجعلنا نتغاضى أو ننسى الإيجابيات التي تحققها تلك الشركات للاقتصاد الدولي. 
لكن في الوقت ذاته يدعو الخبراء إلى ضرورة الإسراع بوضع تشريعات عالمية تحول دون اندماج تلك الشركات العملاقة مع بعضها بعضا، إذ يمكن أن يؤدي ذلك إلى أشكال غير مسبوقة من الاحتكارات، التي لن تمثل فقط خطرا على مصالح المستهلكين ومنتجين المواد الخام الأولية، وإنما خطرا على قدرة الدولة ذاتها في توجيه الدفة الاقتصادية للاقتصاد الوطني بما يخدم مصالح مواطنيها ككل، وليس أصحاب رؤوس الأموال أو المساهمين في تلك الشركات مهما بلغ عددهم.
 

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية