Author

«وليطوفوا بالبيت العتيق»

|

عندما شرع المعمر الأفغاني في جمع الأموال بغرض العمرة، كان قد تجاوز الثمانين عاما. عمل بكد في البحث عن كل ما يمكن أن يمارس لجمع الأموال. حمل الأثقال لينقلها في المباني وأسواق مواد البناء، دفع العربات في سوق الخضراوات. كان يصل إلى منزله في آخر الليل منهكا، ليتذكر أنه لم يتناول شيئا من الطعام فينام جائعا متعبا.
لكن هدفه السامي لم يكن ليبعده عنه أي مغريات. الكد والتعب كانا حلوين وهو يحلم بالوقوف عند مقام إبراهيم- عليه السلام- ويطوف بالكعبة، ويسعى بين الصفا والمروة. تلك الهمة العالية لم يكن ليوقفها أي عائق. عندما أكمل المال، بحث عن التأشيرة التي توصله إلى غايته.
وجد في القنصلية السعودية شخصا تعاطف مع طلبه ووعده بأن يكون في الحرم المكي عن قريب. ما إن وطئت قدما الرجل أرض المطار، حتى كاد يطير من الفرح، يقول إنه يمكن أن يسير على قدميه إلى مكة، فلا شيء سيعوق مساره نحو حبيبته الكعبة، التي كد وعمل للوصول إليها سنوات.
وصل الشيخ الكبير وكاد يسقط من هول المنظر وجلال الموقف الذي جمعه بحبيبته. بقي في الحرم أياما لا يريد حتى النوم، ولا يكاد يخرج إلا ليتوضأ ويعود طائفا بالكعبة. يطوف اليوم بالكعبة مرتين، لولا أن منعه كبر سنه، لفعل أكثر. ثم إنه يشعر بسعادة لم تمر به في حياته.
يمثل هذا الرجل قصة من تلك القصص التي يحملها كل واحد ممن يزورون مكة ويعيشون فيها أجمل أيام حياتهم، فهم يجمعون المال، ويحرصون على أن تكون نفقاتهم من الحلال، ليكون اللقاء نقيا خالصا من كل شائبة. ونحن نطوف بالبيت الحرام، لا بد أن نتذكر هذه الحقائق التي تجعلنا أقرب بعضنا من بعض، فما جمعه هذا الدين لم يكن لأحد أو شيء أن يفرقه. الأمر الأهم هو أن نستشعر أن بيت الله الحرام هو محط الأفئدة، وأن من يحملون هذه الأفئدة لا بد أن يكونوا متوادين متحابين كما أراد الله لهم.
أمر يحتاج منا جميعا إلى مزيد بناء ثقة ومحبة وبحث عن العذر لمن أخطأ في حقنا ممن يشاركوننا حبا واحدا، ودينا وسطا أراد له الله تعالى أن يكون خير وخاتم الأديان.

إنشرها