FINANCIAL TIMES

دولاب الرأسمالية ينشط بشكل أفضل .. في العالم القديم فحسب

دولاب الرأسمالية ينشط بشكل أفضل .. في العالم القديم فحسب

بقدر ما كان التمرد الشعبوي في الغرب ناجحا، فذلك لأن تشخيصه لأسباب الاختلال في العالم من شأنه أن يلقى القبول لدى كثير من الناس. الاتهام بأن الاقتصاد يتم التلاعب به (لحساب فئات معينة)، على وجه الخصوص، له صدى - وهذا لأنه يحتوي على نواة الحقيقة، وأكثر من نواة في حالة الولايات المتحدة.
وللحصول على الأدلة، ألقِ نظرة على ملاحظات جيسون فيرمان الأخيرة حول زيادة تركيز السوق في الاقتصاد الأمريكي، فهو يقدم أدلة تفصيلية في شهادة معدّة لجلسة استماع أمام منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حول تركيز السوق - وهي واحدة من عدد من اجتماعات المائدة المستديرة التي تأتي في وقتها، والتي تعقدها المنظمة حول سياسة المنافسة.
يوضح فيرمان زيادة التركيز في الإيرادات عبر الشركات في عدد من القطاعات المهمة.
ويشير أيضا إلى التوزيع المنحرف بشكل متزايد للعائد على رأس المال كدليل على أن التركيز المتزايد يأتي مع قوة سوقية متزايدة، بدلا من (أو إضافة إلى) تغييرات طويلة الأمد في عمليات الإنتاج لمصلحة وحدات أكبر تحافظ على المنافسة.
من المعقول إلقاء اللوم على هذه الظاهرة وأنها السبب وراء عدد من المشاكل في الاقتصاد، بما في ذلك انخفاض نمو الإنتاجية والضغط على دخول العمال. كيف ذلك؟ استخلاص مزيد من التربح يعني شركات قائمة أكثر أمنا، وغياب الديناميكية (يوضح فيرمان أن معدل تدمير الشركات القديمة وإنشاء شركات جديدة قد انخفض) يُضعف قناة مهمة للنمو: فالموارد تنتقل من المنافسين الأقل إنتاجية إلى المنافسين الأكثر إنتاجية.
غياب المنافسة، من خلال السماح بإدخال زيادات أعلى لأسعار البيع فوق التكاليف - بما في ذلك تكاليف العمالة – يمكن أن يفسر تغيرا في حصص الدخل من العمل إلى رأس المال.
والأكثر أهمية من ذلك، يجادل فيرمان بأن زيادة التركيز هي، إلى حد كبير، نتيجة اختيارات السياسة - مثل سياسة المنافسة الضعيفة وإنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، كما تكتشف زميلتي رنا فوروهار بشكل منتظم - وليس فقط لأسباب "طبيعية".
هناك جانب مشرق لهذا التشخيص، وهو أن ما تسببت فيه السياسة السيئة، يمكن للسياسة الجيدة أن تعمل على إبطاله.
وهذا يجعل من المثير للاهتمام بشكل خاص مقارنة بلدان مختلفة. الأبحاث التي أجراها أخيراً كل من جيرمان جوتيريز وتوماس فيليبون تقوم على وجه التحديد بهذا وتمزق الأسطورة القديمة: "حتى التسعينيات، كانت الأسواق الأمريكية أكثر تنافسية من الأسواق الأوروبية. اليوم، الأسواق الأوروبية لديها تركيز أقل، وانخفاض في الأرباح المفرطة، وتخفيض الحواجز التنظيمية أمام الدخول". هذا، كما يكتشفون، صحيح ليس فقط بشكل عام ولكن داخل معظم الصناعات الفردية.
لماذا تقوم أوروبا بالأداء بشكل أفضل؟ يعطي جوتيريز وفيلبون سببين. الأول هو أن مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي تم بناؤها للسيطرة على سوق أوروبا الموحدة هي أكثر استقلالية عن المؤسسات الأمريكية المماثلة، والجهود التي تبذلها السوق الموحدة لتخفيض الحواجز التنظيمية تعني أن أوروبا قامت بإصلاحات أكثر تأييدا للمنافسة.
يقول المؤلفان إن الاقتصاد السياسي وراء الاستقلال المؤسسي هو نتيجة لطبيعة الاتحاد الأوروبي التي تعلو على البلدان الفردية: الحكومات التي قد تكون متعاطفة مع المصالح المكتسبة في مجال الصناعة، لا تريد أن تغامر بأن تقع هيئة تنظيمية مشتركة في قبضة شركات بلد آخر.
ويرتبط هذا بالسبب الثاني، وهو وجود ضغط أقل بكثير على الشركات في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة.
ما الدروس التي ينبغي أن نستخلصها من هذا؟ أحدها هو مجرد تحذير: لا يمكننا إلقاء اللوم في كل العلل الاقتصادية على نظام اقتصادي يتم التلاعب فيه. على وجه الخصوص، بما أن نمو الإنتاجية انخفض في أوروبا وكذلك في الولايات المتحدة، فإن المنافسة غير الكافية يمكن في أحسن الأحوال أن تعطي تفسيرا جزئيا لهذا.
على أن التفسير يصمد أفضل بالنسبة للظواهر الأخرى، على سبيل المثال التغيير في حصص الدخل. يظهر جوتيريز وفيليبون أنه (عندما يتم استبعاد العقارات) فإن الزيادة في حصة الربح على حساب دخول العمالة هي إلى حد كبير ظاهرة أمريكية.
هناك نقطة سياسية أعمق يجب القيام بها. يُعزى صعود النزعة الشعبوية في بعض الأحيان إلى صعود أنظمة قواعد مثيرة للاستياء والاستبعاد، التي تقلل من مساحة اتخاذ القرارات الشعبية، أو الكراهية الشعبية للجوانب اللطيفة الليبرالية - وهو ما يسميه ياشا مونك بـ "الليبرالية غير الديمقراطية" و"الديمقراطية غير الليبرالية".
في المجال الاقتصادي على الأقل، هل يمكن لهذا حقا أن يكون صحيحا؟ هناك فكرة أساسية في الليبرالية هي وجود قواعد عادلة ملزمة للجميع، التي من بين أشياء أخرى يجب أن تعني سياسة منافسة قوية. ومن النادر أن يكون هناك طلب شعبي واسع الانتشار على اقتصاد يتم التلاعب به لمصلحة المصالح الحاصلة أصلا على الامتيازات.
من هذا الباب، تحركت الولايات المتحدة نحو أن تكون أقل ديمقراطية وأقل ليبرالية خلال ربع القرن الماضي. وفي الوقت نفسه، اكتسب الاتحاد الأوروبي كثيرا من هذين الأمرين - وقد فعل ذلك من خلال التأكيد على النظام الاقتصادي الدولي الذي يهاجمه الشعبويون.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES