Author

وزارة الثقافة .. وإمكانية طرح مشروع ثقافي وطني

|
خلال شهر رمضان المبارك، أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان أمره بإنشاء وزارة الثقافة، وذلك بفصلها عن وزارة الإعلام، ومع هذا التوجه الجديد، من الأهمية بمكان طرح بعض التساؤلات ذات العلاقة بهوية، وآليات العمل التي ستعتمد عليها وزارة الثقافة، رغم أنها ليست جديدة، فهي قبل الأمر الملكي كانت جزءا من وزارة قائمة، ما يعني أن هناك شيئا من البنية التحتية المادية، والخبرات، إضافة إلى الكوادر المحسوبين على الثقافة لاهتمامهم بالمجال الثقافي دراسة، وتأليفا، وحضورا لمناسبات ثقافية داخل الوطن وخارجه، إلا أن فصلها يجعلها أكثر استقلالية، وربما يحررها من البيروقراطية الإدارية باعتبارها عبئا على وزارة الإعلام ويفقدها الاهتمام الكافي. نجاح الوزارة الوليدة يتطلب تقويم المرحلة السابقة، حينما كانت الثقافة ملحقة بالإعلام؛ لمعرفة الإيجابيات والسلبيات، والعوامل الكامنة وراء الواقع السابق بكل تفاصيله، وهل الارتباط بوزارة الإعلام أعطى اهتماما أكثر بالتركيز على الأحداث والسياسة على حساب الثقافة، ما استدعى عملية الفصل؟ أنا ليست لدي معلومات حول ذلك، مع أن هذا الافتراض غير مستبعد. نجاح الوزارة الجديدة يستوجب إعادة النظر في التشريعات الواجب الاعتماد عليها للاضطلاع بمسؤولياتها المنوطة بها، فالتشريعات الواضحة والمحددة ذات قيمة بالغة في مأسسة وقانونية أي نشاط، كما أن نجاح أي جهاز يعتمد على قدرة القائمين عليه على استلهام التشريعات، وتحويلها إلى برامج عمل، ولعل أهم عنصر تتضمنه التشريعات الإجابة عن سؤال: ما الأهداف الواجب تحقيقها من قبل الوزارة؟ في نظري؛ إن أهم هدف للوزارة الجديدة يتمثل في الإسهام في بناء الهوية الثقافية الوطنية، ذلك أنه لا يمكن الجزم باحتكار وزارة بعينها للثقافة، فالهوية الثقافية تشترك في تأسيسها جهات عدة، كالتعليم والإعلام والدعاية وغيرها. ما الميدان الذي تتحرك فيه وزارة الثقافة في ثوبها الجديد؟ وهل تركيزها سينصب على معارض الكتب، والنوادي الأدبية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما الجديد الذي ستضيفه الوزارة الجديدة؟ وهل ستزيد من معارض الكتب لتشمل مدنا عدة ولا تقتصر على المدن الرئيسة؟ وهل سيعاد النظر في واقع الأندية الأدبية التي لم تَنَل الاهتمام الكافي الذي تستحقه خلال العقود الماضية، سواء في مقارها، أو دعم أنشطتها التي لم تصل وتلامس اهتمامات الأوساط الشعبية، لذا شهدت أنشطة النوادي الأدبية، المتمثلة في بعض المحاضرات، والأمسيات الشعرية حضورا محدودا في كثير من الأحيان، وربما اقتصر الحضور على من يمكن تسميتهم "النخبة"، ولذا يلزم معرفة أسباب العزوف الواضح عن أنشطة النوادي الأدبية خلال الحقبة السابقة. كان للأندية الرياضية في السابق اهتمام بالخدمات الاجتماعية والنشاطات الثقافية، حتى إن بعض الأندية يظهر ضمن شعارها (رياضي، اجتماعي، ثقافي)، فهل ستعطي الوزارة الجديدة اهتماما بالنشاط الثقافي في الأندية الرياضية، مع ضرورة التفكير في آلية الإشراف على هذا الجزء من اهتمامات الأندية الرياضية، وذلك بالتنسيق مع هيئة الرياضة؟ من ملاحظاتي خلال الفترة السابقة بشأن النشاط الثقافي، خاصة الأمسيات التي تعقد على هامش المهرجان الوطني للتراث والثقافة، الذي يشرف عليه الحرس الوطني، أن الحضور كان كثيفا في السنوات الأولى، حتى إن قاعة الملك فيصل للمؤتمرات في فندق الإنتركونتننتال كانت تمتلئ بالكامل، وهذا ربما يعود إلى طبيعة المواضيع التي تطرح، وكذلك نوع ومستوى المشاركين في هذه الأمسيات، ومع التطورات التقنية الهائلة، التي أصبحت في متناول كثير خاصة الشباب، تواجه الوزارة تحديات صعبة لتستقطب الناس إلى الأنشطة التي ستنظمها وتشرف عليها، فالوسائط التقنية فيها كثير من عوامل الجذب التي ربما لا تتوافر فيما قد يقدم من قبل الوزارة. المعارض الفنية ربما تكون أحد المجالات التي تهتم بها الوزارة؛ لوجود متخصصين ومهتمين بهذا النوع من النشاط، إلا أن اتساع رقعة الاهتمام الشعبي بهذا النوع من الأنشطة يحتاج إلى التفكير في آليات جذب وتحفيز خلاقة، بدلا من الاستمرار في اعتماد الأساليب التقليدية التي ثبت فشلها من خلال النفور وعدم الاهتمام بالنشاطات الثقافية. دور السينما ستكون أحد المجالات التي تشرف عليها الوزارة، وفي هذه الجزئية تساءلت: هل سيكون للوزارة دور في إنتاج أو المشاركة في إنتاج الأفلام التي ترسخ ثقافة المجتمع التي تأسس عليها الوطن، أم أن دورها سيكون إشرافا شكليا لا يقدم ولا يؤخر في نوع وجودة ومناسبة ما يعرض؟! الثقافة بمفهومها العام هي مجموع العادات والتقاليد والقيم التي تميز مجتمعا عن غيره من المجتمعات، ولذا نسمع أن الثقافة اليابانية تتميز بكذا، والثقافة البريطانية من خصائصها كذا، حتى إن آثار الثقافة ترتسم على سلوك أفراد المجتمع وتصرفاتهم، وتميزهم عن غيرهم، بما في ذلك تعاملهم، وطريقة تفكيرهم، وحري بوزارة الثقافة أن يكون مشروعها الثقافي قائما على المرتكزات التي يقوم عليها المجتمع ويعشقها ويعتز بها أبناؤه، وتأسس عليها الوطن؛ لتنعكس معالم خصائص الثقافة الإسلامية والعربية على شخصية الفرد في جميع المواقف التي يوجد فيها. لا يكفي أن نقدم كمًّا من الأنشطة، وفي مجالات عدة، بل المهم أن نعرف طبيعة ونوع وجودة النشاط، ومواءمته لمشاعر وأحساسيس الناس، حتى نتجنب نفورهم ورفضهم ما قد يقدم.
إنشرها