Author

مؤشرات الحرب التجارية

|
تحذر المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي مما يجري حاليا على صعيد تقاذف القرارات الخاصة بفرض رسوم جمركية، ولا سيما بين البلدان الكبرى. وهذه القرارات شملت حتى الدول الحليفة، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. والحق، أن الإدارة الأمريكية الحالية كانت أول من بدأ فرض الرسوم الجمركية المشار إليها، وهذا ليس غريبا؛ لأن الرئيس دونالد ترمب أعلن مرارا في أوج حملته الانتخابية أنه يستهدف بعض الدول بهذه الرسوم، خصوصا الصين، التي يرى أنها تمارس "الإغراق"، بل إنه وجه انتقادات لاذعة لإدارة باراك أوباما آنذاك؛ لأنها كانت متساهلة كثيرا مع بكين. والإدارة الأمريكية الحالية تمارس هذه السياسات بوضوح، ولا تخفي أي خطوات ستقوم بها لاحقا. هذا الموقف دفع حلفاء واشنطن نفسها إلى اتخاذ إجراءات عقابية من جانبهم؛ لأن التوجه الأمريكي طالهم في مجالات الحديد والألمنيوم، في حين ترى مفوضية الاتحاد الأوروبي أن القرارات الأمريكية ليست مناسبة، ولا تدخل ضمن نطاق التفاهم التجاري العالمي. وبلغ الأمر أن هددت بنقل القضية إلى منظمة التجارة العالمية. المسألة الآن واضحة، والرئيس الأمريكي فرض أخيرا ما يصل إلى 50 مليار دولار رسوما جديدة على سلع صينية؛ أي ما يوازي 25 في المائة، وهي نسبة مرتفعة بالفعل، حتى بحسب الجهات المستقلة. ولترمب موقف معلن بهذا الخصوص؛ لأنه يعتبر أن الصين تقوم بسرقة الملكية الفكرية الأمريكية، والرسوم الجمركية المشار إليها ليست سوى غرامات على هذا السلوك الإنتاجي. لكن الأمر ليس كذلك على الساحة الأوروبية، فهو يرى أن بلدان الاتحاد الأوروبي تتمتع بإعفاءات جمركية على مادتي الحديد والألمنيوم، وهو ما يسبب خسائر للاقتصاد الأمريكي. المسألة خطيرة بكل المعايير الدولية، فكل هذه الإجراءات والإجراءات المضادة تمضي بهذا العالم إلى حرب تجارية لا محالة. وعندما يتعلق الأمر بأكبر قوتين اقتصاديتين على الساحة الدولية، فإن هذه الحرب ستأخذ أشكالا خطيرة للغاية. وهذا ما تحذر منه المؤسسات الاقتصادية العالمية، التي ترى أن الساحة الدولية لا تتحمل مثل هذه الحرب، ولا سيما أنها تعيش حالة الخروج من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية التي انفجرت عام 2008، وأن النمو العالمي سيتأثر سلبا، في حين من الجدير أن تحافظ الدول على مستواها الحالي المنخفض أصلا. لا شك أن الفترة المقبلة ستحمل كثيرا من التطورات على صعيد المعارك التجارية الراهنة، خصوصا مع عدم وجود أي احتمال بتراجع الإدارة الأمريكية عن قراراتها وتوجهها التجاري بشكل عام، فهي اتخذت قرارات شديدة بهذا الخصوص ضد كندا، أقرب الدول جغرافيا إليها. وليس هناك حل سوى بالتفاهم بين البلدان الكبرى على وجه الخصوص؛ لأن أي حرب تجارية ستنال من الجميع، وبالدرجة الأولى ستضرب الدول النامية، وتلك التي تعيش ظروفا اقتصادية صعبة. الصين من جانبها اتخذت أيضا مواقف صلبة ردا على الإجراءات الأمريكية التي بدأت في التنفيذ فعلا مطلع الشهر الجاري، وهنا تتعقد المشكلة أكثر، وستترك كثيرا من المنغصات على الساحة التجارية، فضلا عن أنها ستقلل من مساحات التفاهم المطلوبة. لا يبدو في الأفق أي توجه إيجابي بهذا الخصوص، حتى المؤسسات الدولية الكبرى تظهر عاجزة الآن عن التدخل. إن المرحلة المقبلة ستكون صعبة للغاية على الساحة الدولية. ويبدو بوضوح أن الإدارة الأمريكية تقف في جانب، وغالبية بلدان العالم تقف في جانب آخر.
إنشرها