FINANCIAL TIMES

الفحم يترنح في العالم الأول ويبقى صامدا في آسيا

الفحم يترنح في العالم الأول ويبقى صامدا في آسيا

في أعمال الطاقة، كثيرا ما تتفوق تصورات التغيير على الواقع. يُعتقد على نطاق واسع بأن القرن التاسع عشر هو عصر الفحم. مع ذلك، وكما يشير عالم البيئة فاكلاف سميل، كانت الموارد المهيمنة على إجمالي استخدام الوقود في كل أنحاء العالم هي الخشب والفحم والقش.
على هذا الأساس كان القرن العشرون هو العصر الحقيقي للفحم. والدرس المستفاد، الذي قدمه سميل خلال مؤتمر لخبراء الطاقة وصناع السياسة في عالم 2013، هو أن "تحولات الطاقة نحو أنواع وقود بجودة أعلى تستغرق وقتا طويلا جدا". وبقاء صناعة الفحم العالمية حتى القرن الحادي والعشرين دليل على صحة ذلك.
ارتفع استخدام الفحم عالميا في عام 2017 للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وربما يرتفع مرة أخرى في 2018. وارتفعت أسعار الفحم الحراري المستخدم لأغراض توليد الكهرباء بشكل كبير في الأشهر الأخيرة، مدفوعة بارتفاع درجات الحرارة في الصين وغيرها من البلدان الآسيوية التي زادت من الطلب على التكييف، وبالتالي الطلب على الكهرباء.
في الوقت الذي يبدو فيه أن استخدام الفحم لتوليد الكهرباء بلغ ذروته في البلدان المتقدمة، لا يزال هناك مجال للنمو في كثير من الاقتصادات الناشئة، ولا سيما في جنوب شرقي آسيا.
الآفاق بالنسبة للصين التي تستأثر بأقل من النصف بقليل من الطلب العالمي على الفحم، غير مؤكدة: تبذل الحكومة جهودا للحد من الانبعاثات الصادرة عن الفحم، الذي هو أكثر الموارد المتاحة كثافة من حيث الكربون، لكن شركات توليد الكهرباء لا تزال تسعى لبناء محطات توليد جديدة.
ويبقى الفحم حلا جذابا للبلدان التي تحتاج إلى تلبية الطلب السريع الارتفاع على الكهرباء، التي تسعى لتقليل التكاليف إلى الحد الأدنى، ولا تحدد تخفيضات على انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري باعتبارها هدفا رئيسا ضمن سياستها الخاصة بالطاقة.
بالنسبة إلى كثير من الاقتصادات الناشئة مصدر القلق الرئيس المتعلق بالفحم ليس ثاني أكسيد الكربون، بل أكاسيد النيتروجين والكبريت التي تسبب التلوث محليا.
الآن أصبحت مصادر الطاقة المتجددة تنافسية بشكل متزايد مقابل الفحم. يقول ريتشارد لانكاستر، الرئيس التنفيذي لـ "سي إل بي هولدينجز" في هونج كونج، التي تشغل أيضا محطات توليد طاقة في الصين والهند وغيرهما من البلدان الآسيوية الأخرى: "انخفضت الآن تكاليف الطاقة الشمسية وطاقة الرياح إلى مستوى تستطيع التنافس مع معامل الفحم في كثير من أجزاء آسيا، دون أدنى حاجة إلى وجود إعانات إضافية".
وعلى الرغم من نمو مصادر الطاقة المتجددة بحيث أصبحت مصدرا منخفض التكلفة للكهرباء، إلا أن الاقتصادات الناشئة لا تزال تستثمر في الفحم لتضمن إمدادات مستمرة على مدى 24 ساعة ولتدعم التنمية الصناعية.
مثلا، تعتزم فيتنام تلبية 10.7 في المائة من الطلب على الكهرباء لديها من خلال مصادر الطاقة المتجددة، باستثناء الطاقة المائية، بحلول عام 2030، صعودا من 6.5 في المائة في عام 2020. لكن على مدى الفترة الزمنية ذاتها، من المتوقع أيضا أن يرتفع استخدام الفحم، في الوقت الذي يتم فيه بناء محطات جديدة لتلبية الطلب المتزايد على الكهرباء. وتعتزم الحكومة الحصول على 850 ميجا واط من الطاقة الشمسية و800 ميجا واط من طاقة الرياح بحلول عام 2020. وهناك نحو 15 ألف ميجا واط من محطات تعمل بالفحم لكن لم يسمح لها بالتشغيل حتى الآن، و8750 ميجا واط أُعطيت الإذن بالتشغيل، و10640 ميجا واط قيد الإنشاء، وفقا لـ "كول سوارم"، وهي مجموعة مختصة بالبحوث البيئية.
الغاز الطبيعي هو أحد أنواع الوقود الأحفوري الأقل كثافة من حيث الكربون، لكنه لا يزال مكلفا نسبيا في آسيا: يتم بيع شحنات الغاز الطبيعي المسال مقابل عشرة دولارات تقريبا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بالسعر المرجعي الأمريكي الذي يعادل أقل من ثلاثة دولارات بقليل لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. وفي حين كان هناك تحول من الفحم إلى الغاز من أجل توليد الكهرباء في الولايات المتحدة، إلا أن الاتجاه اتخذ مسارا معاكسا في جنوب شرق آسيا. وما لم تنخفض أسعار الغاز بشكل حاد، من الصعب أن نشهد انعكاسا في المسار.
النتيجة المتوقعة هي أن يرتفع استخدام الفحم على الصعيد العالمي بشكل بطيء على مدى السنوات القليلة المقبلة، رغم التراجع في الولايات المتحدة وأوروبا. وتبين تنبؤات وكالة الطاقة الدولية حتى عام 2022، المنشورة في نهاية العام الماضي، وجود تراجع متوقع في الطلب على الفحم بواقع 11 مليون طن سنويا بالنسبة للصين، و30 مليون طن سنويا للبلدان الأوروبية الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، و37 مليون طن سنويا لأمريكا الشمالية. لكن يجري تعويض تلك الانخفاضات بشكل أكبر من خلال زيادات تصل إلى 135 مليون طن سنويا بالنسبة للهند و70 مليون طن سنويا بالنسبة للدول الأعضاء في رابطة دول جنوب شرق آسيا "آسيان"، التي تضم فيتنام.
ويمكن أن يتبين أن التوقع الخاص بالهند مرتفع فوق الحد، اعتمادا على ما إذا كانت الحكومة تريد إنقاذ مصانع الفحم المتعثرة ماليا أم لا. لكن حتى إن تباطأ نمو الطلب على الفحم في الهند بشكل أكبر، من المرجح أن تكون آفاق الطلب العالمي على مدى السنوات القليلة المقبلة ثابتة تقريبا.
التحول العالمي في توليد الكهرباء المعتمد على الفحم إلى محطات توليد أكثر حداثة في آسيا قد يعني أنه لا يزال من الممكن أن تنخفض الانبعاثات من الفحم. تستخدم كثير من مصانع الفحم الجديدة في آسيا تكنولوجيات "انبعاثات منخفضة ذات كفاءة عالية" HELE تستطيع تحقيق انخفاضات كبيرة مقارنة بالمصانع الأقدم الموجودة في البلدان المتقدمة. ويشير بنجامين سبورتون، من الاتحاد العالمي للفحم، الذي يمثل الجهات الدولية المنتجة، إلى أن بعض البلدان الآسيوية تستخدم محطات التوليد التي تعتمد تكنولوجيات HELE كجزء من استراتيجيتها للوفاء بالتعهدات من أجل الحد من الانبعاثات بموجب اتفاقية المناخ الموقعة في باريس.
قد يكون عصر الفحم في طريقه إلى الاضمحلال. لكن الفحم، بوصفه عنصرا مساهما في إمدادات الطاقة العالمية، لا تزال أمامه مسافة لا بأس بها قبل أن يصبح من آثار الماضي.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES