FINANCIAL TIMES

الذكاء الاصطناعي يبحث عن ذكاء «فطري»

الذكاء الاصطناعي يبحث عن ذكاء «فطري»

تستعد وزارة الدفاع الأمريكية لمواجهة أحد أكبر التحديات في مجال الذكاء الاصطناعي: كيفية تزويد أجهزة الكمبيوتر بالحس الفطري السليم.
ربما تؤدي الجهود المبذولة إلى زيادة وعي الأنظمة العسكرية بالعالم المحيط بها والقدرة على التكيف مثلما يفعل البشر، بحسب ديف كانينج، وهو مدير برامج في "داربا" Darpa، مجموعة البحوث التابعة لوزارة الدفاع، المشهورة بتمويل الأعمال الأولى المتعلقة بالإنترنت والمركبات ذاتية القيادة.
سوف تكون إحدى النتائج هي الأنظمة التي "لا تهوي من على جرف عال ولديها القدرة على إدراك أنها بحاجة إلى الذهاب إلى الداخل هربا من المطر"، كما قال. وقد تؤدي أيضا إلى وجود آلات مرنة تتواصل بطريقة طبيعية أكثر مع الناس وتستطيع التكيف مع الأحداث غير المتوقعة.
السعي لإيجاد آلات ذات حس فطري يسلط الضوء على نقاط الضعف التي تعانيها تصاميم الذكاء الاصطناعي الموجودة الآن، والتي يمكن أن تحد بشدة من جدوى هذه التكنولوجيا. قال كانينج: "هناك حقيقة واضحة يجري تجاهلها، وهي هذه الغوريلا التي يزيد وزنها على 360 كيلو جراما (الروبوت). إن لم نتمكن من إحراز تقدم في هذا الشأن، فإننا لن نتمكن أبدا من إيجاد أنظمة أفضل من أنظمة الذكاء الاصطناعي الهشة الموجودة لدينا الآن".
برمجة الكمبيوتر للحصول على ذلك النوع من الفهم الفطري للعالم كانت مصدر أمل أساسيا عندما تم تأسيس مجال الذكاء الاصطناعي قبل أكثر من نصف قرن. تم التخلي عن ذلك الأمل في وقت مبكر، لكن في الفترة الأخيرة أصبح الاهتمام به يشهد انتعاشا في الأوساط الأكاديمية. من ذلك أن بول ألان، المؤسس المشارك في شركة مايكروسوفت، ضاعف الاستثمارات في معهد بحوث الذكاء الاصطناعي التابع له في وقت سابق من هذا العام بهدف دعم هذه الفكرة.
وبحسب جوشوا تينينباوم، أستاذ العلوم المعرفية والحوسبة في معهد ماساتشيوستس للتكنولوجيا: "كان هذا واحدا من أقدم أحلام الباحثين في الذكاء الاصطناعي، إن لم يكن الأقدم. ونحن ننظر إلى هذا على أنه يقع في صميم ما يعنيه أن تكون ذكيا".
ويأتي كثير من الاكتشافات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي من أنظمة تعالج كميات هائلة من البيانات، بحثا عن أنماط يمكنها أداء أدوار مثل معرفة أصحاب الصور أو تقديم توقعات. لكن مع عدم وجود تفهم حقيقي للعالم، فإن ما يسمى أنظمة التعلم العميق غير قادرة على التعامل مع مشكلات موجودة خارج المجالات المحددة التي صممت لأجلها.
يجين تشوي، وهي أستاذة مشاركة في جامعة واشنطن ومن بين باحثي الذكاء الاصطناعي العاملين في مجال الحس العام، قالت "إنها لا تعمل بشكل جيد على مستوى مواضيع مختلفة وليست قوية في المواقف غير المتوقعة".
وتدعم "داربا" عادة سلسلة من جماعات البحوث التجارية والأكاديمية عندما تتصدى لمجال بحث جديد، على أمل انتقال المنافع بشكل غير مباشر إلى الجيش. وهذا جعل منها ممولا مهما للبحوث الأساسية في الولايات المتحدة. مع ذلك، تبين أيضا أن أهمية الدعم العسكري للتكنولوجيات الجديدة أمر مثير للجدل، خاصة في الآونة الأخيرة عندما تسبب نظام تمييز وتحديد الصور لدى "جوجل"، الخاص بوزارة الدفاع الأمريكية، في عاصفة من الاحتجاجات الداخلية.
قال تينينباوم الذي حصلت بحوثه على دعم من عدد من الجهات العسكرية العاملة في مجال البحوث: "سيكون من الجيد إن لم تكن الأموال تأتي فقط من وزارة الدفاع". واعتبر أن هذا المجال يحتاج إلى حوارات أكثر انفتاحا، في الوقت الذي يناقش فيه باحثو الذكاء الاصطناعي بنشاط القضايا الأخلاقية التي أثيرت بسبب بحوث الذكاء الاصطناعي الجديدة.
وتتسم "داربا" بالانفتاح إزاء التداعيات الأوسع نطاقا للتكنولوجيات ذات الآثار البعيدة، التي دعمها. تزويد أجهزة الكمبيوتر بالحس العام "من شأنه بكل تأكيد أن يجعل نظام الذكاء الاصطناعي أكثر ذكاء، أو أكثر قدرة - وهذا يمكن استخدامه في الخير أو الشر"، بحسب كانينج. كما أطلق عليها أيضا لقب "درجة أخرى من السلم" نحو أجهزة الكمبيوتر ذات الذكاء البشري الكامل، التي تعرف باسم الذكاء العام الاصطناعي.
الآمال المتجددة التي تتمثل في تزويد أجهزة الكمبيوتر بالحس العام تنبع من التقدم الذي تم إحرازه في عدد من المجالات. وهذه الحقول تشتمل على توافر مزيد من البيانات والقدرة على "تجميع مصادر" المعلومات من الناس عبر الإنترنت لمساعدة الآلات في تطوير فهم أساسي، بحسب تشوي.
وبدأ بعض الباحثين في الاستفادة من نظريات حول كيفية تطور الدماغ البشري على أمل بناء أنواع جديدة من أنظمة التعلم. وتشير بحوث علم النفس الأخيرة، كما قال تينينباوم، إلى أن أدمغة الأطفال الرضع "لديها كثير من البنية الهيكلية الداخلة أصلا في تركيبها" منذ البداية، بدلا من كونها ألواحا فارغة يتم تشكيلها من خلال التعرض إلى العالم الخارجي.
وأضاف تينينباوم أن هذا يشمل فهما أساسيا للفيزياء، إضافة إلى إحساس فطري بعلم النفس يمكن الأطفال الرضع الصغار من تفهم حقيقة أن الأفراد الآخرين في العالم لديهم أهداف خاصة بهم. وقد أدى ذلك إلى زيادة الأمل في برمجة أساس مماثل للحس العام داخل الآلات، على الرغم من أن الأمر يتطلب اختراع أساليب برمجة جديدة تعتمد على مجالات من الذكاء الاصطناعي تتجاوز مجال التعلم العميق.
وأشار كانينج إلى هذا العمل واصفا إياه بأنه إحدى نقاط البدء الأكثر تفاؤلا لإيجاد أنظمة ذكاء حقيقية. وقال إن استطاعت أجهزة الكمبيوتر تطوير اللبنات الأساسية للتعلم نفسها، الموجودة لدى طفل يبلغ من العمر سنة واحدة فقط، فإن ذلك يمكن أن يجعل الآلات مستعدة لاتخاذ الخطوة التالية نحو تعلم اللغة. ودعت "داربا" جميع الباحثين الخارجيين هذا العام إلى عقد جلسة "عصف ذهني" للتفكر في أي مجالات البحث في الحس العام أرادت أن تدعم. وقال كانينج إن الوكالة تعكف الآن على إعداد مقترح رسمي قبل المضي قدما في المشروع.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES