Author

أن تلوي ذراعك «2»

|
تتجاوز قيمة التبادل الاستثماري للولايات المتحدة 15 تريليون دولار، أي ما يوازي 74 في المائة من قيمة الناتج المحلي الإجمالي "20.4 تريليون دولار". أما تجاريا، فتعاني من عجز كبير قدره 566 مليار دولار في العام، أكثر من نصفها مع الصين. ويسعى الرئيس الأمريكي ترمب إصلاح هذا العجز برفع الرسوم الجمركية، رغم أن: (1) التعرفة الجمركية لا تجلب للخزانة الأمريكية أكثر من 1 في المائة من إيراداتها الضريبية. (2) اللجوء إلى إجبار الدول الأخرى إصلاح العجز في الميزان التجاري، ممارسة تعود إلى القرن الـ16، قد عفا عليها الزمن، كما أشرت في مقال سابق هنا. وعليه، فلا جدوى من هذه الممارسة، فالأعلى كفاءة هو الذي سيحقق فائضا تجاريا واستثماريا. ثم أن رفع التعرفة الجمركية، قد يؤدي إلى نشوب حرب تجارية بين الولايات المتحدة وشركائها، وفي مقدمتهم الصين. لذا، فلعل الأنجع أن تواصل الولايات المتحدة تعزيز نهجها التقليدي، وهو الحفاظ على التبادل التجاري خاليا من القيود، والقائم على إزالة الرسوم الجمركية، وفي الوقت نفسه تعزيز الانفتاح استثماريا، لاستقطاب الاستثمارات النوعية إلى الداخل الأمريكي، وتشجيع الشركات الأمريكية الاستثمار في الخارج لزيادة حصتها من تلك الأسواق من جهة، وترخيص تقنياتها، والاستفادة من المزايا النسبية التي قد لا تتوافر لها في أمريكا. إذ يمكن الجدل أن الانفتاح الاستثماري يحقق نتائج تفوق ما قد يحققه النكوص للحمائية التجارية البغيضة، بما في ذلك استعادة جزء مهم من الأرباح التي تحققها الشركات الأمريكية في الخارج، التي تذهب حاليا ضحية تهرب ضريبي تمارسه شركات أمريكية عملاقة قيمته 300 مليار دولار، وفقا لمصادر في الكونجرس. وهكذا، فإصلاح النظام الضريبي للشركات بخفض الضريبة خفضا منافسا سيعني: (1) عدم اضطرار الشركات الأمريكية العاملة في الخارج إلى التهرب، بما يحقق للخزانة الأمريكية عوائد إضافية تفوق الرسوم الجمركية. (2) استقطاب مزيد من الشركات الأجنبية للاستثمار في الولايات المتحدة، بما يعني إيجادا مباشرا للفرص الوظيفية وتوليد قيمة مضافة للاقتصاد الأمريكي. (3) تعزيز "التبادل الاستثماري"، الذي تفوقت فيه الولايات المتحدة عن نظرائها لعقود عديدة، الذي سيجلب لها "طوعا" أفضل المستثمرين من سائر بلدان العالم، كما حدث لعقود. إن مجرد زيادة التعرفة الجمركية هي بمنزلة "عافور" يثير الغبار، لكنه لا يحل مشكلة عجز الميزان التجاري، ولن يريح هواجس الولايات المتحدة من "سرقة" حقوق الملكية الفكرية، وبالتالي، تهديد تفوقها التقني وقوتها العسكرية وحصانة أمنها القومي... (يتبع)
إنشرها