FINANCIAL TIMES

رغم شرر الحرب التجارية المتطاير .. الأسواق ليست مرعوبة

رغم شرر الحرب التجارية المتطاير .. الأسواق ليست مرعوبة

الأمر الذي يثير الجنون حول الافتراضات المنافية للواقع هو أنه لا يمكننا إثباتها. ربما يكون لدينا حدس حول ما يمكن أن يحدث. من دون التسهيل الكمي ربما كان من الممكن أن يكون الركود الكبير هو ثاني حالة من الكساد العظيم، أو ربما لا يكون كذلك. قد يكون اقتصاد المملكة المتحدة أقوى لو لم يكن هناك تصويت على الخروج من الاتحاد الأوروبي، أو ربما لا يكون كذلك.
بدأ الأسبوع الأخير بانهيار علني في قمة مجموعة السبع التي رفض فيها دونالد ترمب التوقيع على البيان بسبب اختلافات حول التجارة. والأعمال العدائية المباشرة المتعلقة بالتجارة بين الولايات المتحدة وكندا، وهما اثنتان من الحلفاء الأكثر حزما الذين يمكن تصورهم، أصبحت الآن ممكنة.
انتهى الأسبوع بفرض رسوم جمركية من جانب الولايات المتحدة على البضائع الصينية بما يعادل 50 مليار دولار وإعلان السلطات الصينية أن الولايات المتحدة "بدأت حربا تجارية".
استنادا إلى أي تحليل، تبدو هذه الأمور أحداثا مزعجة على الصعيد الاقتصادي، بحيث تزيد من المخاطر وعوامل اللبس وتهدد بإحداث أضرار في المستقبل. بعد الحرب العالمية الثانية اتسع نطاق التجارة بشكل مطرد عقدا بعد عقد، ويمكن القول إنه بقي كذلك حتى فشل "جولة الدوحة" المنعقدة خلال مؤتمر منظمة التجارة العالمية في كانكون في عام 2003. وتشير آخر التطورات إلى أن التجارة العالمية والعولمة بدأتا بكل نشاط في اتخاذ مسار معاكس.
مع ذلك، من الصعب رؤية تشكل أي رعب كبير داخل الأسواق. فقد انخفضت أسعار المعادن الصناعية التي تتأثر بشكل مباشر بالرسوم الجمركية - وانخفضت أسعار أسهم الشركات التي تنتجها. لكن لم يكن هناك فزع كبير. فلا يزال مؤشر فيكس للتقلبات، المعروف في وول ستريت بمؤشر الخوف، منخفضا جدا. وسجل الذهب، الملاذ النهائي، يوم الجمعة أكبر انخفاض له خلال فترة رئاسة ترمب. وانخفضت عائدات السندات، لكنها لا تزال أعلى مما كانت عليه في بداية العام.
وشهدت الأسهم يوما سيئا في نهاية الأسبوع، لكن لم يكن هناك أي شيء استثنائي. خلال الأسبوع كانت الأسهم العالمية في سبيلها لتحقيق انخفاض نسبته 0.6 في المائة (0.3 في المائة بالنسبة للأسهم الأمريكية). لم يكن أسبوعا جيدا، لكنه بالتأكيد ليس ذلك النوع من البيع المكثف الذي ربما نتوقع حدوثه مع ورود أنباء تفيد بأن العولمة نفسها معرضة للخطر.
وهناك افتراض مضاد للواقع يضيف صعوبة أخرى. اتخذ الاحتياطي الفيدرالي الأسبوع الماضي قراره برفع أسعار الفائدة، وبدا أكثر تصميما على المضي قدما في رفعها أكثر كان يعتقد كثيرون في السابق. وهذا بحد ذاته كاف تماما ليشكل أسبوعا سيئا بالنسبة للأسهم. الأنباء الواردة حول الرسوم الجمركية ربما لم يكن لها أي تأثير على الإطلاق.
بإلقاء نظرة أعمق على الأسهم نتوصل إلى حجة جيدة مفادها أن المستثمرين يشعرون بالقلق بسبب التوترات التجارية – وحجة مقابلة تشير إلى أنهم ليسوا كذلك.
بلغت الأسهم العالمية والأسهم الأمريكية ذروتها في أواخر كانون الثاني (يناير)، باستثناء أسهم التكنولوجيا التي لم تتمكن حتى الآن من استعادة ذلك المستوى المرتفع، أو حتى الاقتراب منه. حدث ذلك على الرغم من أرقام الأرباح المذهلة في الولايات المتحدة. وفقا لـ "تومسون رويترز"، بالنسبة للربع الأول تمكنت الشركات المدرجة ضمن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 من رفع أرباح السهم الواحد 26.6 في المائة على أساس سنوي. في الوقت نفسه، يستعد الوسطاء لتلقي مزيد من النتائج الجيدة في الربع الذي شارف على الانتهاء الآن، مع نمو أرباح متوقع بنسبة 20.2 في المائة. عادة، تخفض الشركات من توجيهاتها عند اقتراب الربع من الانتهاء وتتناقص تقديرات الأرباح بنسبة 2 في المائة أو أكثر. هذه المرة، ارتفعت في الواقع قليلا منذ بداية نيسان (أبريل).
مضاعِفات الأرباح المرتقبة، التي تقارن أسعار الأسهم بالأرباح المتوقعة للعام المقبل، هي واحدة من المقاييس الأكثر شيوعا واستخداما من قبل المتداولين. لو أنها بقيت على حالها فقط، لكانت مثل هذه الزيادات الضخمة في التفاؤل المتعلق بأرباح الشركات قد تحولت إلى اندفاع صعودي في سوق الأسهم. لكن هذا لم يحدث.
في مطلع هذا العام وصل مضاعِف الأرباح المرتقب لمؤشر ستاندرد آند بورز 500 إلى أعلى من 20 بقليل - أعلى مستوى له منذ عام 2001 عندما كانت فقاعة الدوت كوم لا تزال في طور التنفيس. ويتم تداوله الآن بمقدار 17.4 مرة فقط من الأرباح المرتقبة - وهو مستوى مرتفع لكنه لا يزال ضمن نطاق المعدلات الطبيعية تاريخيا.
هذا يشير إلى أن تسعير الأسواق تم على أساس توقعات بزيادة ربحية الشركات التي شهدناها، وأن العام شهد إعادة تصنيف كبيرة إلى الأدنى. أو بمعنى آخر، أداء أسواق الأسهم المتوسط مقابل مثل هذه الخلفية من الشركات القوية هذا العام يشير إلى وجود مخاوف بالغة، حول السياسة النقدية وربما أيضا حول السياسة التجارية.
لكن مقابل هذا، يتعين علينا الأخذ في الحسبان أداء الأسهم المختلفة داخل السوق. فقد ثبت أن الفائزين والخاسرين كانوا تقريبا عكس ما كان متوقعا بعد أن زادت حدة التوتر في العلاقات التجارية.
منذ أن وصلت السوق لأعلى مستوى لها في كانون الثاني (يناير)، انخفض 50 في المائة من أسهم مؤشر ستاندرد آند بورز ذات التعامل الأكبر مع السوق الأمريكية بنسبة 6.2 في المائة. أما الـ 50 في المائة ذات الاعتماد الأكبر على الصادرات فقد انخفضت بنسبة 2.7 في المائة فقط. لذلك، أصبح أداء الشركات التي يمكن حمايتها من خلال الرسوم الجمركية أسوأ من الشركات التي من المتوقع أن تواجه حواجز جديدة من الرسوم الجمركية (ويتعين عليها أيضا التعامل مع الدولار الأقوى، الذي يجعلها أقل تنافسية).
ما يزيد من تفاقم الأمور أن الأسهم المدرجة ضمن مؤشر مورجان ستانلي العالمي (الذي يغطي جميع الأسواق المتقدمة) ذات التعامل الأكبر مع الصين بقيت في المستوى نفسه الذي وصلت إليه في كانون الثاني (يناير)؛ منخفضة 0.5 في المائة فقط. والأسهم ذات التعامل الأكبر مع الأسواق المتقدمة انخفضت 5.5 في المائة.
ساد النمط نفسه على مدى الفترة الزمنية بأكملها منذ أن فاز ترمب في الانتخابات. في الولايات المتحدة تمكنت شركات التصدير من التفوق على الشركات المحلية بـ 11 نقطة مئوية في ذلك الوقت، بينما في البلدان المتقدمة حظيت الشركات التي تتعامل مع الصين بفوز بلغ 15 نقطة مئوية.
القلق المتعلق بالتجارة يسهم في المشاكل التي تعانيها الأسواق الناشئة مع وصول عملاتها الآن إلى أدنى مستوى لها منذ تولي ترمب منصبه. لا يمكننا معرفة السلوك الذي سينتهجه المستثمرون بدون الضجة المتعلقة بالتجارة، لكن مستثمري الأسهم لا يتخذون مراكز في عالم تكون فيه حواجز الرسوم الجمركية أعلى، وتكون فيه ممارسة الأعمال مع الصين أمرا صعبا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES