Author

«الخامنئية» تقاتل الواقع

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"إيران استنفدت كل ألاعيبها، ولم يعد أمامها سوى مواجهة الحسم" مارك بومبيو ـــ وزير خارجية الولايات المتحدة من النادر جدا العثور على سياسي إيراني صادق، وتحديدا أولئك الذين يحتلون مناصب ومواقع مختلفة ضمن هذا النظام الإرهابي. لنترك الإصلاحيين جانبا، فلا يوجد واحد منهم في السلطة، وهم يقبعون في إقامات جبرية، أو في المعتقلات، ناهيك عن الذين اختفوا في ظروف غامضة. في الحكم الإيراني الآن لا يوجد إصلاحي، وحضور الرئيس حسن روحاني في "السلطة"، ليس إلا "مكياجا" لنظام قبيح. وهو "مكياج" من النوع الرديء جدا، يظهر على الفور ما يخفي تحته. الساحة الإيرانية مليئة منذ بداية حكم الملالي بالرافضين لهذا النظام، ليس فقط من أولئك الذين حاولوا التغيير الطبيعي للنظام الجائر، بل أيضا من الميدان الشعبي، حتى إن امرأة اتسمت بالشجاعة لتهتف في تجمع شعبي كبير "الموت لخامنئي". وهذه الحالة ليست الأولى، بل موجودة منذ سنوات وتتكرر. لا نعرف مصير المرأة الشجاعة، ولكن الذي نعرفه أن نظام خامنئي الإرهابي الطائفي، أثبت أنه الأسوأ على مر العقود الماضية، وأن الشعب الإيراني نال مساوئه وخرابه أولا، إلى درجة أن ظهرت شريحة ما تسمى "سكان الكهوف". ناهيك طبعا عن زوال الطبقة المتوسطة، وارتفاع البطالة، وانهيار قيمة العملة الوطنية، وتردي الخدمات، وارتفاع عدد السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، وغير ذلك من الخراب الاقتصادي المعيشي المحلي. والسبب هنا ليس عجزا ماليا، ولا كوارث طبيعية، ولا نقصا في الموارد حتى في ظل العقوبات الدولية المفروضة على النظام، بل جراء استراتيجية الخراب التي يعيش النظام بها، منذ انطلاق ما سمي ظلما "الثورة الإيرانية". ولم تنفع كل محاولات الملالي إخفاء هذا الواقع البشع. فبعد أكثر من أربعة عقود على وصول الإرهابيين إلى السلطة، يستحيل إخفاء شيء. أموال الشعب الإيراني تذهب لنشر الخراب في الأرجاء، عن طريق تمويل الجماعات الإرهابية في مناطق متعددة، وعبر تدخل النظام مباشرة في حروب خارجية، تسبب هو في نشوب أغلبها، أو على الأقل في تغذيتها. وبات العالم يعرف أن أي مسؤول سياسي أو اقتصادي مباشر في الحكومة، لا يملك حق صنع القرار فيما يخص وزارته. القرار الأخير يأتي من مكتب "المرشد"، ومن يرغب من هؤلاء "المسؤولين" في الاستمرار في منصبه فعليه أن يقبل بما هو آت من هذا المكتب! وإلا، فالنتيجة معروفة. أن يجلس في بيته، وهذا أفضل الحلول له، أو أن يتلقى التهم القضائية الملفقة، أو أن يغيب نهائيا مع المهدي ـــ الغائب. ولذلك، لا مجال لإصلاح هنا، أو تغيير طفيف هناك. غير أنه يظهر في بعض الأحيان من يقول الكلمة الحق، وإن حاول أن يلطف مقاصدها ما يفرغها من قيمتها، كما فعل عضو لجنة الميزانيات والحسابات في البرلمان، النائب مهرداد لاهوتي، الذي قال: "إن البنك المركزي وجميع البنوك في العالم لا يمكنها إنقاذ الاقتصاد الإيراني"، لماذا؟ "لوجود مشكلة في تنفيذ السياسات النقدية والمالية". مشكلة في تنفيذ السياسات، أم مصيبة في عدم وجود السياسات أصلا؟ ومع ذلك، كان هذا النائب "شجاعا" حقا، بصرف النظر عن "عمليات التجميل" التي أطلقها ضمن تصريحه هذا. أقصى ما قاله "من يتابع أداء البنك المركزي في تنفيذ السياسات النقدية والمالية يجد كثيرا من الأخطاء والمشكلات". لم يقل بالطبع ما الجهة التي تسيطر على هذا البنك، ولم يحمل خامنئي مباشرة مسؤولية الخراب الاقتصادي والمالي الذي تعيشه البلاد. كل هذا مفهوم بالطبع. وبدلا من أن يقدم حسن روحاني تفسيرا لما أعلنه النائب المذكور، ارتكب "الرئيس" مصيبة كالعادة "كوميدي" ظريف. ماذا قال؟ "إيران لا تعاني مشكلات اقتصادية، بل مجرد حرب نفسية يشنها الأعداء". يمكن "القهقهة" هنا بقدر ما يستطيع متلقي هذا التفسير الفريد. لقد أثبت الرئيس روحاني كما رئيسه خامنئي، أنه منفصل عن الواقع بأعلى الصور، وأنه يريد أن يروج الأوهام علَّها تخفف الحقائق وضرباتها نوعا ما ولو إعلاميا، لكن الأمور لا تمضي هكذا، والأهم أن الآتي أعظم الآن بعد أن انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي "الأوبامي" المهلهل، وقررت فرض مزيد من العقوبات على النظام الإرهابي الحاكم في إيران. ليس هذا فحسب، بل إنها هددت كل المؤسسات الاستثمارية والمالية "الأمريكية وغير الأمريكية" من مغبة التعامل مع هذا النظام. لا ليست حربا نفسية، بل مواقف حقيقية كان من المفروض أن تكون موجودة على الساحة منذ سنوات، وهذه المرة الأمر ليس قابلا للسياسة، بل إنه أمر صدر لكي ينفذ، ويشمل الأوروبيين "اللطفاء" الذين لا يزالون يأملون تغييرا ما في موقف الإدارة الأمريكية، لرفد نظام إرهابي تخريبي طائفي دنيء بمزيد من الأدوات التي تساعده على المضي قدما في استراتيجية الخراب الداخلي والخارجي.
إنشرها