Author

أخونا الطيب

|
بعض الرسائل التي تصلني تدفعني إلى التأمل، وربما أطلت في تأملي لرغبتي في الوصول إلى ردود مقنعة أو تبريرات أستطيع من خلالها أن أجيب عن تساؤلات الطرف الآخر، ولكن في بعض الأحيان أفشل في ذلك؛ لأني فعلا لا أمتلك أحيانا تلك الردود المقنعة! يقول صاحب المشكلة "لم أعد أفهم ما يجري حولي، فالمفاهيم اختلطت في عقلي حتى أوشكت أن أفقد القدرة على التمييز بينها، أنا يا سيدتي الأخ الأوسط لتسعة من الأشقاء والشقيقات، أعيش مع والدتي منذ تزوجت قبل 25 عاما، لم أرغب في الاستقلال بسكن خاص بي، فقد كان الحزن يعتصر قلب أمي عند زواج كل واحد من أشقائي الأكبر مني والأصغر مني، واستقلالهم بمساكنهم رغم إلحاحها عليهم بالسكن معها، خاصة أن المنزل كبير ويسع الجميع، مضت السنوات ولم يتبق في منزل العائلة سواي وزوجتي وأبنائي، منذ صغري كان الجميع يناديني بـ"أخونا الطيب"، هذه التسمية التي صنعت مني في نهاية الأمر إنسانا أحمق، يدور في حلقة دائرية، لا يجد فيها متكأ يستند إليه ليلتقط أنفاسه من لهاثه المحموم لإرضاء الآخرين، كنت أشبه بشيك مفتوح لأشقائي وشقيقاتي يصرفون منه متى شاؤوا وكيفما شاؤوا، كل المآزق التي مروا بها كنت لهم السد المنيع، الذي حماهم من انجرافات سيول الأحداث المخيفة، كانت أبواب حياتي مشرعة لهم يطرقونها في أي وقت يرغبون، لم أخذلهم في يوم ما، ولم أعتذر عن مساندة أحدهم، ولم أتذمر من كثرة مشكلاتهم وعثراتهم، كدت أن أنسى حتى اسمي من كثرة ما كانوا ينادونني بـ"أخونا الطيب"، لكن اكتشفت أن الطيبة بمنظورهم هي استغلالك حسب مصالحهم واستغفالك حسب احتياجهم إليك، حين تمت ترقيتي في عملي، وتطلب مني ذلك السكن في مدينة أخرى، قاموا بشن حرب مؤلمة كادت تحرقني، ووصفوني بالعقوق وعدم مراعاة خاطر والدتي و"خروف زوجته"، الذي يمشي على هواها، وحاولوا تشويه صورتي أمام أمي وإثارة غضبها علي، كل ذلك حتى يثنوني عن قراري الذي سيجعلهم وجها لوجه أمام مسؤولية رعايتهم والدتي، كان الأمر يقض مضجع الأنانية في نفوسهم، وفعلا لم يقبل أي منهم على القيام برعايتها أثناء غيابي، لذلك أصررت عليها على الانتقال معي وأسرتي لتلك المدينة وهذا ما حدث، ولكن في قلبي غصة وسؤال أرجو إجابتك عنه... لماذا يُستغل الطيبون حتى يكرهوا طيبتهم؟! حقا لم أجد إجابة عن تساؤله، ولكني تذكرت قول برناردشو "الندم لا يقتصر على التصرفات الخاطئة، فكثيرا ما نشعر بالندم على التصرفات الصحيحة".

اخر مقالات الكاتب

إنشرها