Author

أتتركهم عالة؟

|
حين قرأت خبر الفصل في قضية إرث رجل أعمال تجاوزت ثروته 45 مليون ريـال، تذكرت أن مجتمعنا يعيش التطرف من ناحيتين، وأننا ـــ بشكل عام ـــ نهمل مجموعة أمور لا بد أن نقف عندها ونتأكد من تعاملنا السليم معها. عدم التعامل مع الموت كحقيقة لا مفر منها أمر يسيطر على كثيرين في المجتمع، على الرغم من أننا نشاهد مشاهير يملكون الأموال والضياع والخيرات يتعاملون مع الموت ويقررون ما يريدون قبل أن يغادروا الحياة، ومن أهم هذه الأمور التصالح بين الورثة وبقاؤهم متكاتفين ومتحابين. إن أهم ما يمكن أن يجنيه الواحد من أمر كهذا هو الدعوة الصالحة التي تصله ممن يرجى أن يكونوا صالحين، فتصله دعواتهم، كما أنه يضمن العدل والإنصاف بين الجميع، وهذا أمر مهم كذلك للواحد في آخرته. كون الواحد منا يتخوف من كتابة وصيته، يعتبر من النقص في التعامل مع الحقائق، فكتابة الوصية تعني اليقين بالنهاية، لكنها لا تعني النهاية بأي حال من الأحوال. كتابة الوصية تضمن أن يكون الواحد على بينة من مآله وحاله في القادم من الأيام، وتضمن اتخاذ القرارات التي ترضي الله، فاليقين بالنهاية أمر محمود، والغفلة لا تزيد المرء إلا بعدا عن الله، وكراهية للحق، وهذا لا يفيد سوى الخسران من الجميع. لهذا كان العقلاء في كل الأديان والملل يبادرون إلى كتابة الوصية كوسيلة لضمان التعامل العقلاني مع الحقائق. عندما أراد أحدهم أن يتصدق بكل ماله، لم يوافقه النبي ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ بل أكد أن على العائل أن يضمن الحياة الكريمة لمن يأتي بعده من ذريته، فترك الأبناء والبنات عالة، وهو ما يؤدي إليه أمر مثل ذلك، لا يفيد الشخص ولا يفيد المجتمع، وهنا تكمن العبقرية في الدين الإسلامي، الذي يضمن التوازن النفسي والاجتماعي والمادي بأحكامه التي فرضها الله ـــ جل وعلا. نأتي لأمر مهم، وهو الصدقة وأجرها العظيم، وقد منح الله الناس الفرص العظمى لإيجاد التوازن المنطقي بين الحياة الدنيا والآخرة، ومن ذلك أن من يجد ما ينفقه في سبيل الله مطالب بالبذل في حياته، ذلك أنه بعد أن يغادر هذه الحياة، ليس له أن يوصي ببناء المساجد أو إجراء الصدقات، فالمال لم يعد ماله، وإنما هو مال غيره. والعبرة أن نبادر إلى العمل الصالح دون أن نحرم من وراءنا من الإرث الذي يقيم أودهم.
إنشرها