Author

توازن السوق النفطية .. والعمل المؤسسي

|
التوازن مفهوم صعب جدا في الاقتصاد، ذلك أن أي سلعة تحقق توازنها عند أي منحى للعرض والطلب من خلال تعديل مستويات الأسعار، لكن توازن السلعة عند مستويات الأسعار المرتفعة قد يؤثر سلبا في توازن سلعة أخرى، أو في توازن الاقتصاد كله؛ لذلك يسعى الاقتصاديون في بحث مستمر ومحموم إلى اكتشاف توازن الاقتصاد عند كل تغيير في الأسعار، وفهم ما يحدث في سلوك كل سلعة وعنصر من عناصر الإنتاج عندما تتغير وحدة السعر بدرجة صغيرة جدا تقترب حتى من الصفر. بعض العناصر قد تجد توازنها من خلال توازن السلع فيها، فمثلا الآلات التي تتغير أسعارها قد يتم استبدالها بآلات أقل سعرا، حيث يبقى عنصر الآلات متوازنا داخل الاقتصاد، لكن بعض السلع قد لا تجد بديلا، ويأتي تغير سعرها باختلال توازن الاقتصاد ككل، ولهذا تجب مراقبة التغيرات في هذه السلع ومراقبة توازنها بشكل مستمر. ومن أهم السلع التي يتأثر توازن الاقتصاد بها النفط، ولهذا تحظى مراقبته باهتمام عالمي ضخم، وهنا يجد اللاعبون الأساسيون في هذه الصناعة مساحة كبيرة من التأثير في الاقتصاد العالمي. ولقد كانت مشكلة السوق النفطية سابقا أن التأثير الأساسي في توازن السوق النفطية يأتي من الطلب، والطلب طبعا يتأثر بمستوى النمو في اقتصاديات الدول الكبرى، ومعلومات بسيطة في مستويات المخزونات العالمية قد تتلاعب في الأسعار لعدة أشهر، ولم يكن هناك عمل مؤسسي منضبط داخل مجموعة الدول المنتجة، وهناك صراع معلن أحيانا وخفي أحيانا أخرى بين المنتجين في مجموعة "أوبك" ومجموعة المنتجين المستقلين من خارجها. هذا الصراع كان يلحق الضرر بالتوازن في جميع الحقب التاريخية السابقة، لكن يبدو أن الأمور تغيرت كثيرا في السنتين الأخيرتين؛ حيث أصبح توازن السوق النفطية في يد المنتجين بدلا من المستهلكين، وهذا التغير الكبير ظهر منذ وجدت السعودية وروسيا أرضية مشتركة للتعاون والتفاهم في هذا الشأن، وقد نجح هذا التعاون حتى الآن في إعادة الأسعار إلى مستويات تحفظ بقاء هذه الصناعة والاستثمارات فيها بما يخدم الاقتصاد العالمي بعد أن تهاوت الأسعار إلى مستويات قياسية. هذا النجاح في العودة بالسوق النفطية إلى توازن مرضٍ للجميع، الذي تحقق من التعاون المشترك بين المملكة وروسيا بشكل أساسي، منح البلدين مزيدا من الثقة ببناء علاقات متينة أكبر، وتوجهات قوية نحو عمل مؤسسي أكثر منه مجرد تفاهم. وأخيرا تم عقد اجتماعات موسعة بين وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية السعودي ونظيره الروسي، وذلك على هامش زيارة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، لروسيا الاتحادية، وقد اتفقت السعودية وروسيا في هذه الزيارة المهمة على الالتزام بتعميق التعاون بين البلدين في مجال الطاقة، ولا سيما النفط والغاز، وفقا لعدة مبادئ، منها تعزيز وجود سوق نفط عالمية متوازنة، تدعمها إمدادات نفطية موثوقة وكافية، والتشديد على المسؤولية المشتركة بين الدول المنتجة والمستهلكة للنفط في تحقيق استقرار سوق النفط العالمية. وقد جاءت نتائج الاجتماعات كما هو متوقع تماما، فالنجاحات السابقة عززت الثقة بين البلدين، ويجب على الجميع استثمار هذا الموقف الآن، ولهذا اتفق البلدان على إعداد اتفاقية ثنائية شاملة في مجال الطاقة، تعكس الرغبة في بناء إطار تعاوني طويل الأجل، يضفي صبغة مؤسسية تسعى إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق. لقد أدرك المنتجون الآن بعد التعاون الكبير الذي نتج عن اللقاءات المتبادلة بين المملكة وروسيا، أن مفتاح الحفاظ على توازن الأسواق مرهون بعمل جديد كليا ذي "طابع مؤسسي"، وأنه تجب إعادة بناء التعاون بين منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" والمنتجين غير الأعضاء في المنظمة لمراقبة سوق النفط والتحرك المشترك عند الحاجة وفقا لهذا المفهوم الجديد.
إنشرها