أخبار اقتصادية- عالمية

الذكاء الصناعي يضيف للاقتصاد العالمي 5.8 تريليون دولار في 9 وظائف تجارية

الذكاء الصناعي يضيف للاقتصاد العالمي 5.8 تريليون دولار في 9 وظائف تجارية

يوما بعد آخر تأكد الإحصاءات الدولية أن تقنيات الذكاء الصناعي ستكون قوة الدفع الرئيسة للاقتصاد العالمي مستقبلا، إذ تشير أحدث التقديرات إلى أن تلك التقنيات لديها القدرة على إيجاد قيمة تراوح بين 3.5 تريليون دولار و5.8 تريليون دولار سنويا، في تسع وظائف تجارية في 19 صناعة بحلول عام 2022.
كما ستولد قيمة إضافية تصل إلى 2.6 تريليون دولار في مجالي التسويق والمبيعات، ونحو تريليوني دولار في مجال التوريد والتصنيع، و200 مليار دولار إلى التسعير والترويج، و100 مليار دولار إلى خدمة العملاء في مجال تجارة التجزئة.
ويتوقع أن تؤثر تقنيات الذكاء الصناعي على الإيرادات المتولدة في صناعة السفر والسياحة على المستوى الدولي، ما يتوقع معه زيادة في الإيرادات الكلية بنحو 11.6 في المائة.
وحتى الآن وعلى الرغم من أن هذا النوع من التكنولوجيا المتطورة لم يعمم بشكل كبير في الأنظمة الصناعية العالمية كافة، إلا أن الدراسات تشير إلى أنه مسؤول حتى الآن على ما يقدر بنسبة 69 في المائة عن تحسين وكفاءة الأداء في الأفرع الصناعية التي استخدم فيها. 
وخلال هذا العام يتوقع أن يصل إجمالي قيمة الأعمال العالمية المستمدة من الذكاء الاصطناعي نحو 1.2 تريليون دولار، أي بزيادة تقدر بنحو 70 في المائة عن العام الماضي.
وتطرح تلك المساهمة الاقتصادية الضخمة لهذا النوع من التكنولوجيا، تساؤلات حول أبرز الاتجاهات التي ستواجهها تقنيات الذكاء الصناعي خلال الفترة المقبلة. 
الدكتور إل. إس. جروف أستاذ التنمية الاقتصادية، يشير إلى أن الذكاء الصناعي هو الحدود التكنولوجية الجديدة التي تتنافس الشركات والبلدان للسيطرة عليها، فمن سيفلح في مساعيه سيكون المتحكم الأساسي في مسار الاقتصاد العالمي، خاصة في النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن "الاستثمارات في تقنيات الذكاء الصناعي تقدر بمئات المليارات، وهي استثمارات ضخمة تعكس بشكل واضح الأرباح التي تتوقع الشركات أو الدول تحقيقها من هذا القطاع.. فشركة "ألفابت" الأمريكية تستثمر نحو 30 مليار دولار في برنامج لتطوير تقنيات الذكاء الصناعي، أما شركة "بايدو" الصينية العملاقة لخدمات الإنترنت فقد استثمرت العام الماضي 20 مليار دولار في برنامج مشابه، والأمر ليس مقصورا على الشركات، فلم يعد من الخفي على أحد أن هناك صراعا أمريكيا صينيا عنيفا في هذا المجال".
ويرى جروف أن "أبرز تحد سيواجه عملية تطوير تكنولوجيا الذكاء الصناعي ودمجها في الصناعات المختلفة، يرتبط بتأثيرها على سوق العمل، وفي الواقع هناك أحاديث مغلوطة بأن انتشار تلك التقنيات في مناحي الحياة المختلفة، سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وهذا تصور غير دقيق ويعكس صورة مشوهة عن اقتصادات المستقبل، فعلى سبيل المثال يتوقع بنك "جولدمان ساكس" أن السيارات ذاتية القيادة قد تؤدي إلى فقدان 25 ألف سائق شاحنات وظائفهم شهريا، ولكن في المقابل سيتم إيجاد عديد من الوظائف الأخرى التي تتطلب مهارات تقنية أعلى، ومن ثم رواتب وأجور أكبر بكثير للعاملين في إدارة تلك التقنيات، ولهذا أعتقد أن هناك نضالا عالميا من أجل التكيف مع المشهد الجديد، ما يتطلب من الحكومات والقطاع الخاص الاستثمار في المجال التعليمي، لرفع مستوى مخرجات العملية التعليمية للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة".
ولا شك أن أحد أبرز المظاهر التي يتوقع الاقتصاديون أن ترتبط بالذكاء الاصطناعي وتقنياته، تنعكس في الاستخدام المتزايد لتلك التقنيات على التكلفة الإجمالية للمنتجات، وعلى الرغم من أن غالب التقديرات تتوقع أن تشهد أسعار المنتجات أو الخدمات التي تستخدم تلك التكنولوجيا ارتفاعا لبعض الوقت في المراحل الأولى من استخدامها، نتيجة ارتفاع التكلفة الناجمة عن عملية استبدال أنظمة الإنتاج التقليدية، بأنظمة حديثة، وزيادة نسبة المهدر في المراحل الأولى من عملية الإحلال والتبديل، وحتى يمتلك العاملون على تلك التكنولوجيا الخبرات الضرورية للتعامل مع أنماط التكنولوجيا الحديثة في مجال الإنتاج، إلا أن التكلفة الإنتاجية لاحقا ستشهد انخفاضا ملموسا، سينعكس على أسعار المنتج النهائي، التي يتوقع أن تنخفض بمعدلات متزايدة مع اتساع نطاق استخدام تلك التقنيات في العملية الإنتاجية".
ومع هذا، فإن عملية الإحلال والتبديل أو على الأقل ما سينجم عنها في المراحل الأولى من ارتفاع نسبي في معدلات البطالة، تثير عديدا من التساؤلات الاقتصادية تتعلق بطبيعة التخفيضات الضريبية التي يجب أن تحصل عليها الشركات التي تقوم بعملية الأتمتة، لكن من جانب آخر تثير أيضا تساؤلات بشأن الضرائب على الأرباح وكيفية استخدامها لتمويل النظم التعليمية، وبرامج إعادة تدريب البالغين وبرامج المهارات الاجتماعية. 
كيث إتكنز الخبير الضريبي يعتقد أن مشكلة الأتمتة واتساع نطاقها، توجدان عديدا من التحديات الخاصة بإعادة هيكلة النظام الضريبي في البلدان التي تلجأ إلى تقنيات الذكاء الصناعي، وهو يرى أن الأمر سيتطلب بعض الوقت للوصول إلى نظم ضريبية تساعد على تشجيع الأتمتة، دون أن تؤدي إلى ارتفاع كبير في معدلات البطالة في المراحل الأولى. 
ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن عديدا من الصناعات تشهد بالفعل تأثيرات متزايدة للتكنولوجيا الذكية، وخفض الضرائب على الشركات التي تلجأ للأتمتة، قد يسرع هذا الاتجاه، ومعه زيادة في معدلات البطالة، ومن ثم زيادة الاستحقاقات الاجتماعية التي ستقع على كاهل الدولة، وسيؤدي ذلك إلى تنامي معدلات العجز في الميزانية العامة، وطبع مزيد من النقود سيرفع من نسب التضخم".
ويشير إتكنز إلى أن "تنامي تقنيات التكنولوجية الذكية في القطاعات المختلفة سيسمح بإحكام أكبر في التقديرات الضريبية، وسيخفض معدلات التهرب الضريبي بشكل ملحوظ، ويجب أن تترافق الامتيازات الضريبية الممنوحة للشركات التي تعتمد على الأتمتة، مع حزمة مماثلة من الامتيازات الضريبية للشركات والصناعات الصغيرة، إذ يتوقع أن تكون الشركات الكبيرة أكثر قدرة على تحمل تكاليف عملية الإحلال والاستبدال التقني، وعدم منح امتيازات ضريبية للشركات الصغيرة سيؤدي إلى تعرضها للخسارة وخروجها من الأسواق". 
وفي هذا السياق، يعتقد بعض المختصين أن تقنيات الذكاء الصناعي لن تلعب دورا فقط في رفع معدلات التنمية، بل الأكثر أهمية أنها ستسهم بشكل ملحوظ في التصدي للخلل الناجم عن عمليات التنمية غير المتوازنة في عديد من الاقتصادات، وخاصة البلدان التي يعتمد فيها توليد الناتج المحلي الإجمالي على قطاع واحد أساسي. 
ويعتمد الموقف النظري لهؤلاء الخبراء، على أساس أن أحد العوامل التي تؤدي إلى افتقاد الاقتصاد الوطني في عديد من الاقتصادات الناشئة لمفهوم التوازن، يعود إلى ارتفاع الربحية الناتجة عن الاستثمار في قطاع أحادي، ما يؤدي إلى تركيز على الاستثمار المكثف فيه، على أمل أن يقوم هذا القطاع بدور القاطرة الاقتصادية، التي تجذب القطاعات الاقتصادية الأخرى.
إلا أن الواقع يكشف في عديد من النماذج الاقتصادية أن الاستناد إلى قطاع اقتصادي أحادي في عملية التنمية، قد يسهم في تحسين الناتج المحلي الإجمالي، لكنه يجعل النظام الاقتصادي مرهونا بالأداء في هذا القطاع، والعوائد المتحققة فيه، خاصة أنه في معظم الأحوال - إن لم يكن جميعها – تكون مخرجات هذا القطاع موجهة للتصدير للخارج، ومن ثم يصبح الاقتصاد الوطني مرهونا بالطلب الخارجي على منتجات هذا القطاع. 
البروفيسور هالبرون كلين أستاذ الاقتصاد الكلي وأحد أبرز المدافعين عن نظرية الأتمتة والتوازن الاقتصادي، يعتقد أن عصر تقنيات الذكاء الصناعي سيسهم بشكل كبير في تراجع حاد في نماذج الدورات الاقتصادية (ازدهار يليه انكماش يليه ازدهار)، والتي يرجعها البروفيسور كلين إلى الخلل في توازن الاقتصاد العالمي بصفة عامة.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أن الأتمتة أو تعزيز تقنيات الذكاء الصناعي في العملية الإنتاجية، ستؤدي إلى مجموعة من المتغيرات الجديدة في المنظومة الاقتصادية المحلية، أبرزها رفع مستوى الإنتاجية في القطاعات التي ستلجأ إلى أنماط الإنتاج الحديثة.
ويشير كلين إلى أن جزءا كبيرا من ارتفاع الإنتاجية سيعود إلى ارتفاع مستوى كفاءة الأيدي العاملة، ومن ثم سيتحول الاقتصاد الوطني بفضل الذكاء الصناعي من اقتصاد أحادي القطاع إلى اقتصاد متعدد القطاعات، وبالطبع سيختلف الوضع من اقتصاد إلى آخر، وبقدر زيادة الاستثمارات في القطاعات غير التقليدية، سنشهد مزيد من التوازن بين تلك القطاعات والقطاع الذي ظل لعقود يحتكر توجيه الاقتصاد الوطني، والأهم أن الناتج المحلي الإجمالي لن يعتمد في تلك الحالة على قطاع واحد، وإنما على مجموعة ربما تكون متكاملة من القطاعات الإنتاجية، وهذا سيوجد درجة أعلى من الاستقرار الاقتصادي، ويسهم في الحفاظ على مستوى معيشي، أكثر ثباتا ونموا دون تعرضه لهزات ضخمة نتيجة الدورات الاقتصادية".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية