أخبار اقتصادية- عالمية

الردود الانتقامية تشعل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين .. وتهدد مسار النمو العالمي

الردود الانتقامية تشعل الحرب التجارية بين واشنطن وبكين .. وتهدد مسار النمو العالمي

أعاد الإعلان عن فرض رسوم جمركية أمريكية جديدة على منتجات صينية إطلاق مواجهة تجارية بين البلدين يمكن أن تؤثر سلبا في الاقتصاد الصيني الذي بدأ يتباطأ.
وبحسب "الفرنسية"، حذرت وزارة التجارة الصينية من أن رسوما بنسبة 25 في المائة على ما قيمته 50 مليار دولار من الواردات الصينية "تهدد المصالح الاقتصادية وأمن الصين".
وردت بكين على الفور بإعلان تعرفات جمركية "مطابقة" لتلك التي فرضتها الولايات المتحدة مع تأكيدها أنها "لا ترغب أبدا في حرب تجارية".
وأعلنت الصين أمس فرض تعريفات جمركية على سلع أمريكية بقيمة 50 مليار دولار ردا على التعريفات الأمريكية الجديدة التي أعلنت الجمعة.
وتشمل القائمة تعريفات بقيمة 25 في المائة على 659 سلعة مستوردة بما في ذلك المنتجات الزراعية والسيارات والمنتجات المائية، ولم يقدم بيان وزارة المالية تفاصيل أخرى حول التفاصيل الدقيقة لتلك السلع.
وتأتي المواجهة بين العملاقين الاقتصاديين في الوقت الذي يعاني فيه النمو الاقتصادي نتيجة جهود إدارة الرئيس شي جين بينج من أجل الحد من الدين العام.
وأوضح مارك وليامز خبير الاقتصاد لدى "كابيتال إيكونوميكس" أن "الأزمة التجارية تزداد في الوقت الذي تتعزز فيه الشكوك حول الآفاق الاقتصادية للصين".
وشهدت الصين في أيار (مايو) تباطؤا للإنتاج الصناعي وتراجعا ملحوظا في الاستثمارات والاستهلاك على خلفية تشدد في القروض.
وهذه الإشارات مثيرة للقلق في الوقت الذي تسعى فيه الصين للحد من اعتمادها على التجارة الخارجية، مقارنة بالسابق.
وكانت الصادرات التي تشكل المحرك الأساسي في الاقتصاد الصيني تحسنت بـ12.6 في المائة في أيار (مايو) بنسبة أقل بقليل، مقارنة بنيسان (أبريل) لكنها أفضل مما كان متوقعا (+11.1 في المائة) في الوقت الذي سجلت فيه واردات العملاق الآسيوي قفزة بـ 26 في المائة على مدى عام.
وستفرض بكين رسوما على ما قيمته 34 مليار دولار من الواردات الأمريكية من بينها منتجات زراعية وبحرية وسيارات بدءا من السادس من تموز (يوليو) موعد دخول التعرفات التي أعلنها ترمب حيز التنفيذ.
وحذر لويس كويس المحلل لدى "أوكسفورد إيكونوميكس" من أنه "سيكون هناك تأثير على النمو في الصين والولايات المتحدة وغيرهما"، معتبرا أن تزايد الشكوك والمخاطر سيلقي بظلاله على ثقة المؤسسات والاستثمارات".
وأدى تباطؤ القروض بحسب المحللين إلى تراجع في الاستثمارات وحد من استهلاك الأسر، إلا أن البيع بالمفرق ازداد في أيار (مايو) بنسبة 8.5 في المائة على مدى عام لكن هذا التقدم كان أقل بكثير، مقارنة بالأداء في نيسان (أبريل) (+9.4 في المائة) وآذار (مارس) (+10.1 في المائة).
وازداد الاستثمار في رؤوس الأموال الثابتة، التي تعد مؤشرا على النفقات في البنى التحتية والعقارات بنسبة 6.1 في المائة على مدى عام في الفترة بين كانون الثاني (يناير) وأيار (مايو) فيما يشكل التقدم الأقل منذ عام 1999.
وكان صندوق النقد الدولي قد نبه في نيسان (أبريل) الماضي إلى أنه يتوقع أن يصل النمو الاقتصادي للعملاق الآسيوي إلى 6.6 في المائة في 2018 و6.4 في المائة في 2019 في تراجع واضح، مقارنة بـ2017 (+6.9 في المائة).
وقال صندوق النقد آنذاك إن "زيادة في الرسوم الجمركية والقيود غير الجمركية يمكن أن يؤثر سلبا في الأسواق المالية ويعكر عمل سلسلة الإنتاج.. ويحد من الإنتاجية في العالم والاستثمار".
يضاف إلى ذلك تدخل الدولة الذي غالبا ما ينتقده خبراء الاقتصاد، ويعتقد وليامز أن "تردد الحكومة في إفساح المجال أمام قوى الأسواق لتقرر" مجرى الاقتصاد سيساهم في تباطؤ الاقتصاد، ويحذر بالتالي من أن "النمو الاقتصادي للصين سيتراجع على الأرجح في العقد المقبل".
وترتبط الولايات المتحدة والصين بعلاقات تجارية ومالية وثيقة على الرغم من الاختلافات العميقة في نظاميهما الاقتصاديين.
لكن إدارة ترمب التي تتهم بكين بالمنافسة "غير النزيهة" وبسرقة الملكية الفكرية للشركات الأمريكية التي تعمل في الصين، قررت المواجهة معها من جهة المبادلات التجارية لعلها تصحح الخلل في الميزان التجاري، الذي تميل كفته لمصلحة الصين. وفي سنة 2017، صدَّرت الولايات المتحدة سلعا بقيمة 130.4 مليار دولار إلى الصين، واستوردت من ثاني اقتصادات العالم سلعا بقيمة 505.2 مليار دولار.
وتشمل صادرات الولايات المتحدة إلى العملاق الآسيوي طائرات بوينج مدنية ومعدات ملاحية بقيمة 16.26 مليار دولار، وصويا بأكثر من 12.36 مليار دولار، وسيارات جديدة أو مستعملة بقيمة 10.52 مليار دولار ومشغلات صغروية بـ6.07 مليار دولار.
وتصدر الصين إلى السوق الأمريكية جملة من المنتجات بدءاً من الهواتف المحمولة (70.39 مليار دولار) والحواسيب (45.52 مليار) ومعدات الاتصالات (33.48 مليار) والاكسسوارات الإلكترونية (31.6 مليار) إلى الألعاب (26.77 مليار) والملابس (24.1 مليار) والأثاث (20.66 مليار).
وخلافاً للبضائع، سجلت الولايات المتحدة فائضاً تجارياً مع الصين في قطاع الخدمات بلغ 38.48 مليار دولار في عام 2017، وفقا لبيانات وزارة التجارة الأمريكية.
وليس لدى الوزارة بيانات حديثة عن التجارة في الخدمات مع الصين، ولكن في عام 2015، أعلنت فائضا قدره 32.9 مليار دولار، وكانت أكثر الخدمات التي صدرت هي خدمات السفر (30.17 مليار).
وأدى تطور العلاقات التجارية مع الصين إلى تعميق العجز التجاري الأمريكي، وفي العام الماضي، سجلت مع بكين عجزاً في تبادل السلع بقيمة 375.2 مليار دولار أي بزيادة 8.1 في المائة، في حين لم يكن هذا العجز يتجاوز ستة مليارات دولار في عام 1985 عندما بدأت وزارة التجارة في نشر بيانات الميزان التجاري.
وتعهد ترمب خلال حملته الانتخابية بتقليص العجز التجاري وقال إن الهدف من ذلك هو تعزيز التوظيف في الولايات المتحدة، خاصة في المناطق الأكثر تأثرا بنقل المصانع.
وبلغت الاستثمارات المباشرة للشركات الصينية في الولايات المتحدة 29 مليار دولار في العام الماضي، وفقا لبيانات المجلس الاقتصادي الصيني-الأمريكي التي سجلت انخفاضا بنسبة 35 في المائة، مقارنة بعام 2016.
ويرجع ذلك أساساً إلى القيود التي فرضتها بكين على الاستثمار المباشر في الخارج، وخصوصاً في قطاعي العقارات والفنادق.
وعلى سبيل المثال، وقعت الشركة الصينية للاستثمار في الطاقة في تشرين الثاني (نوفمبر)، خلال زيارة ترمب إلى الصين، مذكرة تفاهم لاستثمار 83.7 مليار دولار في مشاريع في ولاية فرجينيا الغربية، ورحبت سلطات الولاية بها لأنها رأت فيها تحفيزا للنمو والوظائف.
وقبل ذلك، ساعدت الاستثمارات الصينية في إحياء مدينة ديترويت حيث تم تأسيس مركز الابتكار بين ميشيجان والصين في عام 2016.
والصين على رأس المستثمرين الأجانب في سندات الخزينة الأمريكية قبل اليابان، ففي نيسان (أبريل) (وهي أحدث البيانات المتاحة)، كانت بكين تملك ما يزيد قليلاً عن 1.181 تريليون دولار على شكل سندات خزينة أمريكية، أي نحو 20 في المائة من إجمالي ما تملكه مجمل المؤسسات الأجنبية.
وتمنح بكين الولايات المتحدة بهذه الطريقة الوسائل المالية لشراء المنتجات الصينية الرخيصة التي تحتاج إليها تلبية لرغبات المستهلكين، علماً أن الاستهلاك هو المحرك الرئيسي للنمو الأمريكي.
من جهتها، تحتاج الصين إلى السوق الأمريكي لبيع صادراتها ودعم نموها الاقتصادي، وبالتالي استقرارها السياسي والاجتماعي.
ويعد احترام حقوق الملكية الفكرية مسألة بالغة الأهمية بالنسبة لواشنطن، وفي مقابل دخول السوق الصينية، تضطر الشركات الأمريكية إلى مشاركة بعض خبراتها التكنولوجية مع شريكاتها المحلية.
وهذه واحدة من قضايا الخلاف الرئيسية مع بكين حيث ينتشر تقليد السلع والبضائع والقرصنة، غير أن المنتجات المزيفة تنافس السلع الأمريكية.
ومن خلال الدفاع عن الملكية الفكرية، تهدف واشنطن إلى دعم القدرة التنافسية للشركات الأمريكية التي تعتمد اليوم أكثر على الابتكار أكثر من اعتمادها على إنتاج السلع الاستهلاكية.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية