Author

الصناديق الوقفية وإسهامها في الاقتصاد الوطني

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية
في خبر قد يعد جديدا، أعلنت هيئة السوق المالية إنشاء صندوق وقفي للاكتتاب العام، وكما جاء في الخبر، الذي أعلن في موقع تداول، أنه تمت الموافقة لشركة الإنماء للاستثمار على طرح وحدات صندوق "صندوق الإنماء وريف الوقفي" طرحا عاما، بحيث يكون هذا الصندوق الوقفي متاحا للعموم. الوقف يعد أحد أهم مصادر الأعمال الصالحة، التي يمتد أثرها إلى ما بعد وفاة المُوقِف، حيث ورد في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له"، وهنا تأتي أهمية الصناديق الوقفية، فرغم أهمية الوقف بصورة عامة، إلا أن هناك مجموعة من المخاطر على الوقف، ناشئة من مجموعة من العوامل، منها مسألة إدارة الوقف، سواء من خلال تنميته والاستفادة من موارده، أو توزيع تلك الموارد؛ حيث إن مسألة إدارة الوقف مسألة فيها شيء من التعقيد، خصوصا مع طول المدة؛ إذ إن كثيرا من الأوقاف تواجه شيئا من سوء الإدارة؛ لأن إدارتها يتولاها شخص غير كفء وغير قادر على إدارتها، أو شخص آخر لا يجعل من الوقف أولوية له؛ بسبب التزامه بأموره الخاصة، ما يؤدي مع الزمن إلى إهمال الوقف، وبالتالي فقدان المنفعة التي يمكن أن تتحقق منه، كما أن المتغيرات الزمانية يمكن أن يكون لها أثر في مسألة تعظيم الاستفادة من الوقف، ولذلك نجد أن كثيرا من الأوقاف لولا أن الجهات المختصة تهتم بها وتعيد عملية تجديدها والاستفادة منها لاندثرت ولم تعد لها أي فائدة تذكر، ومن أمثلة المتغيرات الزمانية ما نشهده في المملكة من طفرة لم يكن يحلم بها أجدادنا، ما جعلهم يوقفون مواقع تعد اليوم باهظة الثمن، وذلك لتخصيص أضحية لا تعد اليوم شيئا يذكر مما يمكن أن يتحقق من عوائد لهذه العقارات. الصناديق الوقفية يمكن أن تكون اليوم واحدة من الخيارات المتميزة للمتبرع لمجموعة من الأمور، منها: أن تكلفة شراء الوحدات ستكون أقل بكثير مما لو أراد المتبرع تخصيص وقف خاص به؛ حيث يتوقع أن تكون هذه الوحدات بقيمة مساوية أو مقاربة لغيرها من الصناديق الاستثمارية، ومن الميزات أيضا أن الصناديق الوقفية ستكون مدارة بطريقة أكثر احترافية، من خلال جهات متخصصة في إدارة الصناديق، كما أنها ستكون أكثر استدامة ونموا باعتبار أن الإدارة ستهتم بتنمية هذه الصناديق بقدر اهتمامها بتنمية الأنشطة التي ستنفق عليها تلك الصناديق، ما قد يحقق وفرة هائلة للصناديق وللبرامج المستهدف تنميتها. من الفوائد التي يمكن أن تتحقق مسألة الشفافية العالية في إدارة تلك الصناديق، وإبراز قدرة الجهات التي تديرها على تنميتها؛ إذ إن المعلومات متاحة للجميع، وسيقارن المتبرع بين الصناديق وكفاءتها. من الأمور المهمة مسألة عناية الجهات والمؤسسات الحكومية بمسألة الصناديق الوقفية، التي تجعل من الأهمية أن يكون لكل مؤسسة تقدم خدمات عامة للمجتمع أن يكون لها صندوق وقفي أو أكثر مثل قطاع الصحة أو التعليم، بحيث يمكن أن يكون لديهم صندوق وقفي عام وصناديق وقفية خاصة ببرامج محددة؛ حيث يمكن أن يكون لوزارة الصحة صندوق وقفي عام للخدمات الصحية، ويكون لديهم صناديق وقفية خاصة ببرامج محددة مثل علاج السكر أو السرطان أو غيرهما من الأمراض أو البرامج التوعوية، فيسمح بأن تكون لهذه الصناديق موارد من خلال تبرع الأفراد أو من خلال الصندوق العام أو من خلال دعم حكومي أو من خلال دعم القطاع الخاص أو من خلال استثمارات محددة خاصة بالوزارة، وهذا بلا شك سيجعل للوزارة موارد جيدة يمكن أن تساعد على تطوير خدماتها الصحية ووفرتها لجميع المستحقين، مع وجود تنويع في مصادر مواردها واستدامة للموارد بدلا من الاعتماد بشكل كامل على الميزانية الحكومية. فالخلاصة أن البداية بالصناديق الوقفية تطور مهم في برامج هيئة سوق المال، وهي انعكاس للتطور الذي تشهده الهيئة من خلال تنويع برامجها، كما أنها تطور في البرامج التنموية في المملكة بما يمكن من إيجاد فرص أكبر للمواطن للمشاركة في أوقاف، مع وجود شفافية عالية ومنافسة في كفاءة إدارة تلك الأوقاف، ومن الأهمية عناية المؤسسات الحكومية بإنشاء وقف أو أكثر في المجالات الخدمية مثل الصحة أو التعليم لتنويع مواردها ولاستدامة الموارد وتنميتها بما يمكنها من تقديم خدمات أفضل للمواطن.
إنشرها