Author

القيم .. ممارسة لا تنظير

|
الإسلام بمبادئه السامية يستهدف توجيه الإنسان لعبادة الله، وإخلاص العبادة له دون غيره، كما يستهدف بناء شخصية متزنة تظهر آثارها في علاقته مع الآخرين، سواء كانوا أقارب، وأبناء وطن، أو من شعوب أخرى قال تعالى (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم). ولو تبصرنا في العبادات، كالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج نجد أن بناء الشخصية ذات الحس الاجتماعي يتحقق من خلال هذه العبادات، فصلاة الجماعة تحقق التعارف، وتوثق العلاقات بين أبناء الحي، كما أن الزكاة تشعر المسلم بحاجة إخوانه المسلمين، ونتيجة هذا الشعور يقوي بناء المجتمع، وتماسكه ليتحقق مفهوم المسلم للمسلم.. كالبنيان يشد بعضه بعضا. الصيام بدوره يؤصل قيم التضامن، والتآزر، ومشاركة الآخرين مشاعرهم من خلال مواساة الآخرين الأقل حظا، وذوي الدخول المحدودة لسد حاجتهم، فجوع المسلم أثناء الصيام يقربه من إخوانه المسلمين الذين يعانون اقتصاديا طوال العام بمساندتهم بالزكوات والصدقات لسد حاجتهم وعوزهم. المجتمعات الإسلامية، وكذا الأوطان التي توجد فيها تجمعات إسلامية تشهد خلال شهر رمضان برامج خيرية لتفطير الصائمين موجهة للعمال والمغتربين، ما يؤكد استشعار المقتدرين بضرورة الوقوف مع المحتاجين، وما تنقله الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي يؤكد حقيقة هذه القيمة التي يؤصلها الإسلام في نفوس أبنائه. مقاطع نقلت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لبرامج إفطار في بعض الدول العربية تمثل صورا سيئة لأصحابها، حيث ظهر فيها تدافع الناس بصورة بشعة، تصل حد الاشتباكات بين الناس على وجبات إفطار، يقدمها الموسرون والجمعيات الخيرية، وهذه المشاهد المؤذية وغير المتحضرة تثير تساؤلات لابد من البحث عن إجابات لها لمعرفة أسبابها، ذلك أن التصرفات السيئة تتناقض كلية مع القيم السامية التي يفترض أن يؤصلها الإسلام في نفوس أبنائه، تحقيقا لمفهوم "المسلمون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر". نقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة) إلا أن المشاهد غير المقبولة تتناقض كلية مع المعنى الوارد في الآية الكريمة ما يعني أن أصحاب هذه التصرفات لم يتدبروا القرآن حق التدبر، لذا لم يمتثلوا لما ورد في الآية من معنى. قد يقول البعض إن حالة الصيام والعوز التي يمر بها البعض تجبره على التدافع والتشابك مع الغير للحصول على وجبة الإفطار المجانية لأنه لا يتوافر لديه المال كي يشتريها، كما أن حالة الجوع والعطش تجعل البعض في حالة استثارة نفسية وتهيؤ عصبي للتصرف بصورة غير لائقة من مجرد احتكاك بالآخرين. مشهد آخر لموقف توزيع وجبة إفطار تم في دولة غربية، وقام بالتوزيع أطفال غير مسلمين، وتم بصورة حضارية، مرتبة ليس فيها تدافع ولا عراك ما يؤكد أن المشهدين في العالم العربي يمثلان خللا سلوكيا ناجما عن ثقافة خاطئة يغلب عليها مفهوم "إذا لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب"، إن غلبة الأنانية وسيطرتها على البعض تؤدي به إلى التجاوز وتجاهل حقوق الآخرين في سبيل تحقيق المصالح الذاتية. يضاف إلى ما سبق من أسباب السلوك الشاذ ممثلا في هذه المشاهد، وفي هذا الموقف، وفي الشهر الفضيل، أن ممارسي هذا السلوك لديهم حالة نفسية تعرف بـ"الشفح"، وهي حالة توجد عند البعض، حيث يتصرف صاحبها بالسعي لأخذ كل شيء، حتى لو زاد على حاجته، دون مراعاة الآخرين الذين بأمس الحاجة إلى الشيء المعروض، بل إن من يعاني حالة الشفح يتجاهل الآخرين وحقوقهم وأوضاعهم البائسة. تساءلت، وأنا أشاهد المقطعين، ما الرسالة، والأثر السلبي الناجم عنهما لدى المتلقي غير المسلم، خاصة أن هذه المقاطع متاحة لكل من يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي أينما كانوا، ومهما كانت ديانتهم، فأول سؤال يتبادر للمشاهد لماذا لم يهذب الإسلام سلوك المسلمين في شهر الخير والطمأنينة النفسية؟! ما من شك أن التعامل مع النص شرعيا كان أو غير شرعي بلا فهم ودراية وتبصر بالمعاني التي يحتويها والحرص على تطبيق ما ورد فيها، يوجِد مثل هذه التصرفات غير المقبولة، وهذا في حد ذاته صورة لفشل المؤسسة التربوية التي تغفل الجانب التطبيقي.. فمتى نطبق نهج أسلافنا الذين كلما حفظوا عشر آيات من القرآن لا ينتقلون لما بعدها إلا بعد تطبيقها.
إنشرها