FINANCIAL TIMES

مضاربو «بيتكوين» يستهدفون رفع قيمتها إلى القمر

 مضاربو «بيتكوين» يستهدفون رفع قيمتها إلى القمر

 مضاربو «بيتكوين» يستهدفون رفع قيمتها إلى القمر

في اليوم الأخير من عمله في شركة للتأمين الأسبوع الماضي بعد قضائه 14 عامًا في هذا القطاع، ارتدى دوني قميصًا مزركشًا يحمل شعارًا لصورة صاروخ ورمزاً للعملة المشفرة الـ"بيتكوين"، ومفاد الشعار: "إلى القمر".
العبارة التي تميز حماسة عشاق الـ"بيتكوين"، الذين يقولون إن سعرها لا يعرف حدودًا، كان مناسباً.
على مدى خمس سنوات، حقق الرجل البالغ من العمر 39 عامًا ما يكفي من المال من تداول العملات الرقمية لسداد قرضه العقاري، وشراء سيارة مرسيدس، والآن مبادلة حياة المكتب بحياة مخصصة لإدارة استثماراته في العملة المشفرة المتبقية بدوام كامل.
يقول هذا الشخص المولود في كاليفورنيا والأب لطفلين، الذي يتتبع منصة تويتر تحت اسم "بيتكوين" داد: "كان ذلك مثيرا إلى حد كبير... هذا أمر غيَّر طبيعة حياتي عند هذه المرحلة".
دوني هو مجرد عضو واحد في مجتمع مميز لناد من أوائل المستثمرين في الـ"بيتكوين"، الذين تمكنوا من جني فوائد مسيرته التفاؤلية العجيبة؛ حيث قبضوا المال من بيع بعض المقتنيات، في الوقت الذي تضاعفت فيه قيمتها أكثر من الضعف في غضون شهر، إلى ذروة عند نحو 20 ألف دولار في منتصف كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
وهو يرفض الكشف عن عوائده بالضبط؛ لأن ثروته الجديدة جعلته من قبل ضحية القرصنة والابتزاز، وهي جزء لا يتجزأ من سوق العملات الرقمية الطليقة.
بعد ستة أشهر من بلوغها ذروتها، تظل الـ"بيتكوين" هي العملة المشفرة المشهورة الأكثر شيوعًا، على الرغم من أن سعرها انخفض إلى نحو 7500 دولار وقت نشر هذا المقال. ويترتب على ذلك أنه لكل واحد من أصحاب الملايين من الـ"بيتكوين"، كان هناك عدد لا يحصى من الضحايا: المقامرون تحت شعار بلوغ الثراء السريع، الذين دخلوا السوق بعد فوات الأوان.
يقول كامبل هارفي، أستاذ التمويل في جامعة ديوك والمستشار في استراتيجية الاستثمار في مجموعة مان: "هؤلاء أشخاص يرون شيئًا يتحرك للأعلى ويأخذون في الشراء – هم يركبون الموجة الرائجة".
"في البداية في فضاء التشفير، كان لديك أشخاص يفهمون التكنولوجيا حقًا، ثم كانت موجة استثمارية معروفة، وتعرف كيف ينتهي الأمر – وهي فعلت ذلك.
كم عدد الأشخاص الذين كسبوا - وخسروا - من فقاعة الـ"بيتكوين"؟ بيانات حصرية من شركة أبحاث سلسلة التكتل تشين آناليسيس Chainalysis، التي اطلعت عليها صحيفة فاينانشيال تايمز، تقدم بعض الإجابات المثيرة إلى حد كبير.

تبادل العملة بين المستثمرين
تحدد بيانات شركة تشين آناليسيس Chainaysis هذا التحول المميز في تكوين مالكي الـ"بيتكوين" من المستثمرين على المدى الطويل؛ أي الذين احتفظوا بأحد الأصول لأكثر من عام - للمستثمرين على المدى القصير الذين كانوا يتداولون في الآونة الأخيرة، من خلال تحليل كيف قامت العملات بالتنقل من مالك لآخر بانتظام.
في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي - قبل بلوغ السعر ذروته في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، كانت كمية الـ"بيتكوين" المحتفظ بها للاستثمار ثلاثة أضعاف ما كان لدى المتداولين.
ومع ذلك، وبحلول نيسان (أبريل) 2018، تظهر البيانات أن المبلغ الذي بحيازة المستثمرين - نحو ستة ملايين "بيتكوين" - كان أقرب بكثير إلى المبلغ الذي بحيازة المضاربين على المدى القصير، وهو 5.1 مليون "بيتكوين".
وبالفعل، تقدر شركة تشين آناليسيس Chainalysis أن المستثمرين على المدى الطويل باعوا ما قيمته 30 مليار دولار على الأقل من الـ"بيتكوين" إلى المضاربين الجدد خلال الفترة من كانون الأول (ديسمبر) الماضي إلى نيسان (أبريل) الماضي، مع حدوث نصف كل تلك التحركات في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وحده.
يقول فيليب جرادويل، كبير الاقتصاديين في شركة تشين آناليسيس Chainalysis، الذي يصف الأشهر الستة الماضية بأنها "حدث سيولة" لعملة الـ"بيتكوين": "كان هذا انتقالًا استثنائيًا للثروة".
يجادل جرادويل بأن هذا التدفق المفاجئ للسيولة - كمية الـ"بيتكوين" المتاحة للتداول ارتفعت بنحو من 60 في المائة خلال تلك الفترة - كان "المحرك الأساسي" وراء الانخفاض الأخير في الأسعار.
في الوقت نفسه، تراجعت أحجام تداول الـ"بيتكوين" الآن جنبا إلى جنب مع الأسعار بنحو أربعة مليارات دولار يوميًا في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، إلى مليار دولار اليوم.
بالتالي هل سيتفوق سعر الـ"بيتكوين" على ذروة كانون الأول (ديسمبر) الماضي؟ جزء من الجواب يكمن فيمن هو الذي يقتني الـ"بيتكوين" الآن بعد أن هدأت الضجة.
ولدت عملة الـ"بيتكوين" عام 2009 في أعقاب الأزمة المالية، وهي متجذرة في السعي إلى التحرر من وسيلة للتبادل غير مقيدة بنظام البنوك المركزية. المؤيدون لها - من بينهم خبراء الكمبيوتر والنشطاء السياسيون - بشروا بوصول نظام نقدي بديل يمكن أن يحل محل العملة الورقية.
على الرغم من طفرة التشفير الأخيرة، إلا أنه لا توجد علامات تذكر تدل على حدوث ذلك. ووفقًا لبحث نشره بنك مورجان ستانلي هذا الشهر، لم يقبل سوى أربعة من أكبر 500 تاجر في التجارة الإلكترونية في الولايات المتحدة العملات المشفرة في الربع الأول من عام 2018، مقارنة بثلاثة في بداية عام 2017.
تشير شركة تشين آناليسيس Chainalysis إلى أن "الغالبية العظمى" من المعاملات التي قامت بتحليلها أظهرت أن الـ"بيتكوين" يتم تلقيه من البورصات، ونادراً ما يتم إرساله إلى خدمات التاجر لدفعه مقابل ثمن السلع أو الخدمات.
لا يمكن إنشاء سوى عدد محدود من العملة – 21 مليونا. من هذا، لا يزال يتعين استخراج نحو أربعة ملايين. ومثلما يمكن فقد العملات المعدنية أسفل ظهر الأريكة، يمكن فقد الـ"بيتكوين" كذلك إذا فقد المستخدمون أو نسوا كلمات المرور اللازمة للوصول إلى محافظهم على الإنترنت.
وتفصل بيانات شركة تشين آناليسيس Chainalysis العملات التي تعتبرها مفقودة أو غير مستخدمة لسنوات، والتي يبلغ مجموع قيمتها 3.7 مليون "بيتكوين"، وتبلغ قيمتها نحو 28 مليار دولار.
نسبة الـ"بيتكوين" التي تقدر الشركة أنها تحتفظ بها مجموعات مثل البورصات أو خدمات التجار ظلت ثابتة بين كانون الأول (ديسمبر) الماضي ونيسان (أبريل) الماضي عند نحو 2.2 مليون "بيتكوين".
يجادل المنتقدون بأن تقلب الـ"بيتكوين" ونقص الأسس الجوهرية يستبعده كمخزن موثوق للقيمة، ومن غير المحتمل أن يتغير هذا. هذا يترك أعدادا كبيرة من الانتهازيين الجدد الذين يجربون حظهم فيما أطلق عليه اسم سوق "الغرب المتوحش"، ولا تزال الأجهزة المنظمة توازن أفضل السبل للتعامل مع هذا الفضاء.
"تظل المضاربة حالة الاستخدام الأساسية لهذه الأصول الرقمية"؛ كما يقول بريستون بيرن، وهو محام إنجليزي مختص بالتمويل المهيكل ومراقب العملة المشفرة: "لا يبدو أن التبني من التجار أو المستثمرين المؤسسيين هو المحرك الأساسي للسعر".
بالنظر إلى هذا التحليل لمالكي الـ"بيتكوين"، لا يستبعد معظم مراقبي السوق حدوث ارتفاع سريع آخر في الأسعار. ومع ذلك، فإنهم يقولون إن هذا من المرجح أن يكون الحركة العشوائية للمضاربة البحتة، أو التلاعب في السوق بدلاً من أي شيء آخر.

الوحش ذو الـ50 قدماً
يقول ديفيد جيرارد، مؤلف كتاب: "هجمة بلوكتشين ذي الـ50 قدماً" Attack of the 50 Foot Blockchain: "من المهم جدًا التأكيد على أن هذه ليست بأي حال من الأحوال سوقًا عقلانية".
ويضيف: "إنه تداول ضعيف للغاية ومنظم بشكل سيئ للغاية... تم التلاعب به بشكل كبير. أي شخص يدخل في هذا المجال مع عدم إدراك مدى التلاعب في أسواق التشفير سيُسلخ جلده".
يجادل البعض بأن هناك فنا في التداول بالـ"بيتكوين" على الرغم من ذلك، وهو أمر يثير القلق ويسبب الإدمان. يفسر دوني، أو الـ"بيتكوين داد"، نجاحاته بأنها تقوم على البحث الدقيق، و"الصبر" وتجنب الوقوع في فخ التداول اليومي المهووس بالرفع المالي.
الآخرون غير مقتنعين بأن أصحاب الملايين من الـ"بيتكوين" يظهرون بالفعل العقل الاستثماري، ويقيمون مقارنات بالمقامرة.
فيتالك بوترين، وهو مبرمج روسي-كندي اخترع سلسلة التكتل للعقود الذكية، المعروفة باسم إيثيريوم، قال لصحيفة فاينانشيال تايمز أخيراً: "إنه الحظ في السحب، حيث يبدو أن كل من فاز بالقرعة يشعر بأنه يستحق ذلك لكونه أكثر ذكاءً".

مشاهدة الحيتان
تظهر بيانات شركة تشين آناليسيس Chainaysis أيضا أن سوق الـ"بيتكوين" منحرفة من حيث توزيع الثروة. مجموعة صغيرة من المستثمرين - المعروفة بالعامية باسم "الحيتان" - تستحوذ على نسبة كبيرة من السوق، التي تقف على خلاف مع مهمة الـ"بيتكوين" لإضفاء الطابع الديمقراطي على التمويل. هذا يجلب مخاطره الخاصة.
عمومًا، كانت هناك نحو 1600 محفظة "بيتكوين" - يديرها كل من المضاربين والمستثمرين – احتوت كل واحدة منها على 1000 "بيتكوين" على الأقل في نيسان (أبريل) الماضي، وفقًا لشركة تشين آناليسيس Chainalysis، يحتفظون فيها بينهم بنحو خمسة ملايين "بيتكوين"، أو قريبًا من ثلث الإجمالي المتاح.
ومن بين هذه المحافظ، كان هناك ما يقل قليلا عن 100 محفظة يملكها مستثمرون أطول أجلاً تحتوي على ما يتراوح بين 10 آلاف و100 ألف "بيتكوين"؛ أي ما بين 75 و750 مليون دولار بأسعار اليوم.
وكما يقول جرادويل من شركة تشين آناليسيس Chainalysis: "هذا التركيز للثروة يعني أن الـ"بيتكوين" معرض لخطر التقلبات؛ لأن تحركات عدد قليل من الناس سيكون لها تأثير كبير".
ويضيف قائلاً إن الوضع يشير إلى أن تقلب "بيتكوين" "منخفض المخاطر على النظام المالي الأوسع نطاقاً. لن يواجه سوى عدد قليل من الناس تغيرات كبيرة في الثروة من العملات المشفرة". ومع ذلك، هناك فرص خاصة للاعبين الكبار للانخراط في التلاعب في السوق، وذلك بسبب ندرة التنظيم ووجود الأسواق غير الرسمية الثانوية - وهذا يجعل اللاعبين الأصغر في وضع غير مؤات.
يقول الدكتور جاريك هايلمان، رئيس قسم الأبحاث في "بلوكتشين" Blockchain، والمؤسس المشارك لـ"موزايك. آي أو" Mosaic.io، منصة لاستخبارات السوق حول التشفير: "عندما تقوم ببناء مركز كبير بما يكفي في أي أصول، يمكنك تحريك السعر. يتواصل عدد من أصحاب المقتنيات الكبيرة المذكورين معا، ويعرف (بعضهم بعضا)، ويلاحظون حركة السوق بنشاط".
ردد المحللون في "مورجان ستانلي" هذا القلق في مذكرة هذا الشهر، قائلين إنه من "الجدير بالملاحظة" أن المستثمرين الأكثر تطوراً "مستعدون للتخلي عن حقوق المستثمرين التقليدية مقابل سيولة أسرع محتملة".
ومع ذلك، يشير البعض إلى أن الإثارة وتدفق الأموال الجديدة إلى السوق أتاح لبنيتها التحتية أن تنضج - ولو بشكل تدريجي – الأمر الذي يمكن أن يكون نعمة للذين يتطلعون إلى أن تكون تجارة الـ"بيتكوين" ذات أمان أكبر في المستقبل.

البورصات.. أماكن التداول
من الناحية التقليدية فإن شراء وبيع الـ"بيتكوين" يشكل تحديا بالنسبة للجميع، عدا الأشخاص الأكثر اطلاعا ومعرفة بالتكنولوجيا. ومع تسارع حمى العملات المشفرة في العام الماضي، سارعت بعض شركات التمويل الاستهلاكي للاستفادة من روح العصر وتقديم خدمة إمكانية وصول عملائها إلى العملات الرقمية، من خلال تطبيقات كان استخدامها من قبل مألوفا بالنسبة لهم.
عززت عديد من البورصات عمليات العناية الواجبة الخاصة بها استجابةً لمخاوف العملاء واستثمرت في فرق أكبر لخدمات العملاء. انخفضت رسوم المعاملات مع تحسن التكنولوجيا، لكن أعمال القرصنة لا تزال شائعة.
كانت المؤسسات أيضًا تسعى للانخراط. وتشمل هذه بورصات العقود الآجلة الأمريكية البارزة، مثل سي إم إي جروب CME Group وسي بي أو إي جلوبال ماركتس Cboe Global Markets، التي تقدم الآن عقود "بيتكوين" آجلة. وفي الوقت نفسه، قالت الرئيسة التنفيذية لبورصة ناسداك، أدينا فريدمان، في هذا العام إن المجموعة ستنظر في تقديم خدمات بورصة العملات المشفرة في المستقبل.
كما بدأت الصناديق البديلة في استعراض عضلاتها. وتظهر بيانات بنك مورجان ستانلي، أن هناك الآن أكثر من 3.5 مليار دولار من الأصول المقدرة تحت الإدارة عبر 250 صندوقا مخصصا للعملات المشفرة، على الرغم من تباطؤ وتيرة إنشاء صناديق جديدة في الآونة الأخيرة.
بدأت السوق الثانوية أكثر رسمية في التطور، مع لاعبين مثل كمبرلاند Cumberland، وهي ذراع من شركة دي آر دبليو DRW ومقرها شيكاغو، وقسم سيركل Circle المدعوم من بنك جولدمان ساكس، تنمو بسرعة.
يقول الخبراء إن كثيرا من مستقبل تجارة الـ"بيتكوين" سيعتمد على النهج الذي تتبعه الأجهزة المنظمة. هناك تحركات في جميع أنحاء العالم، على الرغم من أنها حتى الآن قليلة التماسك.
المراكز المالية الآسيوية مثل طوكيو تنظم الآن بورصات التشفير، في حين حظرتها الصين على الفور. وفي الوقت نفسه، أعلنت لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية الشهر الماضي تحقيقا جنائيا في التلاعب المحتمل في سعر الـ"بيتكوين".
وكانت المصارف على وجه الخصوص متحفظة حول التعامل مع العملات المشفرة والشركات التي تتولى تسيير معاملات هذه العملات، ويرجع ذلك جزئيا إلى صعوبة إجراء فحوص غسيل مكافحة الأموال على المعاملات.
كما يقول جيرارد: "موظفو الامتثال للمصرف يكرهون حقا، حقا العملات المشفرة... كن مستعدًا لإثبات مصدر كل قرش من كل عملة مشفرة". ويتنبأ هايلمان بأنه في يوم من الأيام ستكون هناك "سوق استثمارية شرعية للبيع بالتجزئة" بالـ"بيتكوين"، على الرغم من أن هذا لن يكون في أي وقت قريب. "نحن نتحدث عن سنوات،" كما يتوقع.
يقول غافن براون، وهو محاضر أول في الاقتصاد المالي في جامعة مانشستر متروبوليتان، ومدير صندوق تحوط "بلوكتشين كابيتال" Blockchain Capital للعملات المشفرة أن أي تبنٍّ أكثر انتشارًا للـ"بيتكوين" سيحتاج إلى الأجهزة المنظمة والمصارف المركزية ومنظمي الضرائب، للسماح بنقل حركة الثروة من النظام المالي الحالي إلى النظام الجديد".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES