Author

الدين والتدين وسلوكيات المجتمع

|
هناك فرق بين "الدين" و"التدين"، ففي حين أن الدين هو النصوص الشرعية، أي القرآن والسنة، فإن التدين هو سلوك بشري يعكس مدى التمسك بتعاليم العقيدة والالتزام بالتعاليم الدينية في السلوك، ويتفاوت الناس في قوة التدين وضعفه، وفي كثير من الأحيان تتداخل بعض العادات والتقاليد الاجتماعية مع القيم والتعاليم الدينية، فيعتقد بعض الناس أنها جزء من تعاليم الدين، وهي منه براء. يقول المصطفى، عليه الصلاة والسلام، "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". ويقول كذلك، "والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". ويؤكد على أهمية الابتسامة التي ترسم السعادة في نفوس الآخرين بقوله، "تبسمك في وجه أخيك لك صدقة". على الرغم من أن كمية الوعظ الديني كبيرة جدا، منها ما هو في المساجد، ومنها ما هو في المدارس، ومنها ما هو في المنزل، ومنها ما هو في القنوات الفضائية، إلى جانب الجرعة الأكبر من الوعظ والإرشاد والنصائح الدينية التي تطغى في وسائل التواصل الاجتماعي على المشاركات الأخرى، فلا تكاد تخلو مجموعة من مجموعات التواصل الاجتماعي من النصائح والتعليمات القيمة التي لا تقتصر على العبادات، ولكن تشمل القيم والسلوكيات الإنسانية النبيلة. المؤسف، أن هذا القدر الهائل من النصح والإرشاد في مجتمع مسلم، لم ينعكس بالقدر المأمول على السلوك والتعامل بين الناس، ومن الأمثلة، تجار في الأسواق يقسمون بالله، ويتضح أنهم "يكذبون"، وفي العمل يخرج الإنسان لأداء صلاة الظهر ويبقى بعيدا عن المكتب لمدة طويلة والمراجعين في الانتظار، ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل يتحجج بأي خلل تقني ليطلب من المراجعين العودة مرة أخرى دون استشعار لمشقتهم أو أخذ اعتبار لظروفهم الأسرية والمرضية والمادية! ومن السلوكيات التي تجسد الأنانية تجاوز بعض قائدي المركبات طابورا طويلا من السيارات التي تنتظر الإشارة ومن ثم الانعطاف أمام الجميع بكل وقاحة دون الشعور بأدنى معاني الخجل! تجرد المرأة المسلمة من اللباس الإسلامي المحتشم عند خروجها خارج حدود الدولة أو حتى في بعض المقاهي داخل الحدود، مما يعكس هشاشة القيم الدينية لدى بعضهم من جهة، ويدل ــ جليا ــ أن تدينهم شكليا من جهة أخرى، والله أعلم! موظف يمارس الفساد الإداري والمالي، وربما الأخلاقي، ثم يسابق الناس ويزاحمهم لأداء العمرة بكل خشوع، أليست الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟! ومن التصرفات الغريبة، تغليب الجوانب الاجتماعية والقبلية على الأحكام الشرعية، ومن ثم الشفاعة لمجرم قتل رب أسرة عمدا ويتم أطفالا دون وجه حق أو مبرر يستدعي ذلك! باختصار، هناك أزمة أخلاق تبرز من خلال التناقض في سلوكيات الشخص الواحد من جهة، وكذلك التناقض الكبير في المجتمع من جهة أخرى. في الختام، تهدف "رؤية 2030" إلى تعزيز الهوية الوطنية بما يتوافق مع تعاليم ديننا الحنيف ويتماشى مع روح العصر، ويسهم في تحقيق تنمية مستدامة تقوم على أكتاف أبنائها، وهذا يتطلب تطوير الخطاب الديني بما يسهم في تعزيز القيم النبيلة في مجتمعنا، وكذلك تمكين الجامعات لإجراء البحوث العلمية النوعية الجادة في مجال العلوم الاجتماعية لتشخيص مشكلات المجتمع وعلاجها قبل استفحالها. ونتوقع كثيرا من المركز الوطني للدراسات الاستراتيجية والمراكز الأخرى في الجامعات في تقديم دراسات قيمة وإبداعية تلامس الواقع وتصف الحلول الناجعة.
إنشرها