«استراتيجية العزم» .. نموذج تكاملي استثنائي بين الرياض وأبوظبي اقتصاديا وتنمويا

«استراتيجية العزم» .. نموذج تكاملي استثنائي بين الرياض وأبوظبي اقتصاديا وتنمويا

أعلنت السعودية والإمارات أمس الأول، من مدينة جدة، اعتماد استراتيجية مشتركة للتكامل بين البلدين اقتصاديا وتنمويا وعسكريا، عبر 44 مشروعا أطلق عليها "استراتيجية العزم"، عمل عليها 350 مسؤولا من البلدين من 139 جهة حكومية وسيادية وعسكرية، في 12 شهرا، ومن خلال ثلاثة محاور رئيسية هي المحور الاقتصادي والمحور البشري والمعرفي والمحور السياسي والأمني والعسكري.
جاء الإعلان عن الاستراتيجية مع انعقاد الاجتماع الأول لمجلـس التنسيق السعـودي الإماراتي برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بالإمارات.
ووضع قادة البلدين مدة 60 شهرا لتنفيذ مشاريع الاستراتيجية التي تهدف إلى بناء نموذج تكاملي استثنائي بين البلدين يدعم مسيرة التعاون الخليجي المشترك، ويسهم في الوقت نفسه في حماية المكتسبات وحماية المصالح وإيجاد فرص جديدة أمام الشعبين الشقيقين.
وأعلن خلال الاجتماع الأول لمجلس التنسيق السعودي - الإماراتي في جدة أمس الأول، اعتماد "استراتيجية العزم" كأحد المخرجات الرئيسية لخلوة العزم، وآلية العمل المشتركة خلال السنوات الخمس المقبلة بين البلدين من خلال مجموعة من المشاريع النوعية ضمن المجالات ذات الأولوية لكلا البلدين، حيث استغرقت الخلوة 12 شهرا من التنسيق.
وتهدف الاستراتيجية إلى إيجاد نموذج استثنائي للتكامل والتعاون بين البلدين عبر تنفيذ مشاريع استراتيجية مشتركة من أجل سعادة ورخاء شعبي البلدين، حيث تضم الاستراتيجية ثلاثة محاور رئيسية المحور الاقتصادي والمحور البشري والمعرفي والمحور السياسي والأمني والعسكري، إلى جانب 60 مشروعا مشتركا من أصل 175 مشروعا تهدف في مجملها إلى تعزيز التعاون بين البلدين ودعم منظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبما يمهد لمرحلة جديدة من العمل المثمر والبناء بين الطرفين، فيما ستستمر اللقاءات والمناقشات خلال الفترة المقبلة بين فرق العمل المشتركة لاستكمال تنفيذ المبادرات، ورفع التوصيات والمخرجات لمجلس التنسيق السعودي الإماراتي في اجتماعاته الدورية المقبلة.
مشاريع العزم
تم على هامش الاجتماع الأول للمجلس التنسيقي السعودي - الإماراتي إبرام 20 مذكرة تفاهم بين البلدين ضمن المحاور ذات الأولوية، وذلك لإدخال مشاريع استراتيجية العزم حيز التنفيذ وتمثل المشاريع مرحلة جديدة في التكامل السعودي - الإماراتي، وتضم مبادرة لتحسين تجربة المواطن للخدمات الحكومية في البلدين، وإطلاق برنامج الرفاه السكني، وإطلاق سياسة تمكين القطاع المصرفي، وإنشاء صندوق استثماري للاستثمار في المشاريع المتوسطة والصغيرة بالمشاركة مع القطاع الخاص، وغيرها من المشاريع.
وتضمنت "استراتيجية العزم" مشاريع استراتيجية لكل من المحاور الثلاثة الرئيسية، تمثل مرحلة جديدة في التكامل الإماراتي السعودي، ويهدف المحور الاقتصادي في "استراتيجية العزم" إلى تعزيز المنظومة الاقتصادية المتكاملة بين البلدين وإيجاد الحلول المبتكرة للاستغلال الأمثل للموارد الحالية.
ويركز المحور الاقتصادي على مجالات الخدمات والأسواق المالية والقطاع اللوجستي والبنية التحتية، والإنتاج والصناعة، وأمن الإمدادات، والاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، والبيئة والزراعة والمياه، والطاقة المتجددة، والسياحة والتراث الوطني، وريادة الأعمال، والشراكات الخارجية، والتطوير الحكومي والخدمات الحكومية، والإسكان، والشباب، والرياضة، والنفط والغاز والبتروكيماويات.
ويتضمن المحور الاقتصادي عددا من المشاريع المشتركة بين البلدين، ومنها إطلاق سياسة تمكين القطاع المصرفي لتمكين فروع المصارف في البلدين من تعزيز أعمالها والاستفادة من فرص النمو المتاحة وتسهيل إجراءات العمل في البلدين، وتبادل الخبرات في مجال التكنولوجيا المالية الحديثة للتعرف على الفرص والتحديات المرتبطة بها.
كما تتضمن المحور الاقتصادي جانب تبادل الخبرات في قطاع التأمين لتحسين ودعم أسواق التأمين من حيث المنتجات، التسعير والآلية التنظيمية وتبادل الخبرات في مجال إدارة مشاريع البنية التحتية، وتبادل الخبرات في مجال السلامة وصيانة الطرق، وإنشاء صندوق استثماري مشترك للاستثمار في المشاريع المتوسطة والصغيرة للقطاعات الصناعية الناشئة بالمشاركة مع القطاع الخاص.
ويشمل المحور الاقتصادي تفعيل الصناعات التحويلية ذات القيمة المضافة بالتكامل مع الصناعات القائمة، وذلك لدعم الصناعات التحويلية وتنفيذها عبر الشركات الصغيرة والمتوسطة في مجالات الحديد والألمونيوم والبتروكيماويات، وبناء قاعدة بيانات صناعية دقيقة وموحدة، إضافة إلى توحيد أنظمة الترميز للسلع والخدمات الصناعية، وتنفيذ تمرين مشترك بين الطرفين لاختبار منظومة أمن الإمدادات، وذلك لاختبارها في القطاعات الرئيسية.
وتضمن المحور الاقتصادي تطوير خطة المخزون الطبي الاستراتيجي، وإنشاء مصنع مشترك لصناعة الأدوية الطبية الحساسة، إضافة إلى إنشاء مختبر مرجعي مشترك لتحقيق المقاييس للسلامة في هذا المجال وتبادل الخبرات والكوادر والطواقم الطبية في مجال الطوارئ والأزمات، والتعاون المشترك في المجال الضريبي.
ويشمل المحور تسهيل ممارسة الأنشطة الاقتصادية وتبادل الفرص الاستثمارية، ومن خلال تأسيس مكتب تسهيل ممارسة الأنشطة الاقتصادية والمهن، وإنشاء بوابة إلكترونية موحدة تربط البلدين خاصة بمتابعة الشكاوى والاقتراحات المتعلقة بالاتحاد الجمركي والسوق المشتركة، إضافة إلى تسهيل انسياب الحركة في المنافذ من خلال العمل على معالجة المعوقات التي تواجه انسياب الحركة والتجارة عبر الحدود واقتراح الحلول المناسبة لذلك وتبادل الخبرات.
كما يشمل المحور إنشاء شركة مشتركة للاستثمار الزراعي المسؤول في الخارج برأس مال يصل إلى خمسة مليارات درهم للعمل على المساهمة في توفير السلع الأساسية المستوردة للبلدين وتحقيق الأمن الغذائي المستدام، إلى جانب تبني استراتيجية موحدة للأمن الغذائي في البلدين، وذلك لتسخير القوى الإنتاجية الزراعية والحيوانية والسمكية والعمل على مشاريع مشتركة منبثقة من الاستراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي المستقبلي للبلدين، إضافة إلى إنشاء مركز للبحوث يعنى بتطوير وتوطين تقنيات صناعة التحلية، وذلك لدراسة إمكانية تطبيق تقنيات التحلية وتحويل الرطوبة إلى مياه باستخدام الطاقة المتجددة، والنظر إلى استغلال الطاقة الحرارية لعمليات التبخير والتحلية.
ويتضمن المحور الاقتصادي إنشاء مجلس للتميز البيئي يعنى بحماية البيئة والحياة الفطرية بين البلدين، وذلك لغرض توحيد الجهود البيئية والمواقف الدولية وتوحيد عمليات الربط والرصد في مختلف المجالات البيئية، إضافة إلى إنشاء الصندوق السعودي - الإماراتي الاستثماري للطاقة المتجددة، وذلك لجذب الشركات الكبيرة في القطاع والشركات الواعدة ودعمها في تمويل مشاريع البحث والتطوير، وتنفيذ مشروع الربط الكهربائي الخليجي، بهدف تعزيز إمكانية الاستفادة من القدرة الإنتاجية للطاقة لكلا البلدين من خلال الربط الكهربائي الخليجي، وتبادل الخبرات في قطاع الطاقة النووية.
كما يتضمن إطلاق رؤية وهوية مشتركة تعنى بالسياحة والتراث الوطني للبلدين، وذلك بهدف جذب مزيد من السياح إلى المنطقة ووضع برامج للتوظيف الأمثل للإمكانات والفعاليات السياحية والتراثية لكلتا الدولتين، ومواءمة الأنظمة والإجراءات والتشريعات بين البلدين الخاصة بريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب تأسيس مجلس استشاري للاستثمار، ‌بهدف التعاون ونقل المعرفة في مجال الاستثمارات الخارجية والتنسيق بخصوصها، و‌تطوير وتوسيع العلاقات وشبكات التواصل في مجتمع الاستثمار.
ويشمل المحور الاقتصادي التعاون على إيجاد الفرص الاستثمارية في السعودية والإمارات، وتطوير الخدمات الحكومية ونقل التجارب بين البلدين، وتحديد فرص التطوير للقوانين والإجراءات، إلى جانب تطوير أمن الخدمات الحكومية، من خلال تشكيل فريق مشترك للاستجابة وبناء القدرات والتعامل مع الأمن الإلكتروني للخدمات الحكومية، إضافة إلى تطوير منصات تبادل المعرفة، بخصوص الخدمات التعليمية والتدريبية والمناهج لتبادل الخبرات بين البلدين.
كما يشمل إطلاق برنامج الحلول الإسكانية المبتكرة بهدف تخفيض/ إلغاء القيود (التشريعية والتمويلية والإجرائية) التي تؤدي إلى إبطاء عملية تطوير الخدمات الإسكانية، إضافة إلى الحد من التحديات التي تواجه هذا القطاع، إلى جانب إطلاق برنامج الرفاه السكني لمواطني البلدين، بهدف تنشيط وتحفيز الجهات التمويلية لتقديم منتجات إسكانية متكاملة للمواطنين، واستقطاب تقنيات البناء الحديثة وتشجيع تصنيعها محليا، بالإضافة إلى وضع التشريعات والضمانات اللازمة وتحديثها لتحفيز جميع القطاعات المختصة بالقطاع السكني.
ويتضمن المحور الاقتصادي، الاستثمار الدولي المشترك في قطاع النفط والغاز والبتروكيماويات، والتعاون في تطبيقات تحويل غاز ثاني أكسيد الكربون إلى منتجات بترولية، إلى جانب التعاون في مجال البحث والتطوير بمختلف التطبيقات المتعلقة بقطاع النفط والغاز والبتروكيماويات.
وفي المحور البشري والمعرفي ضمن "استراتيجية العزم" تهدف المشاريع إلى بناء منظومة تعليمية فعالة ومتكاملة قائمة على نقاط القوة التي تتميز بها الدولتان لإعداد أجيال مواطنة ذات كفاءة عالية ويركز على مجالات التعليم العالي والتعاون البحثي، والتعليم العام، والتعليم الفني.
وتشتمل المشاريع في هذا المحور على، التعاون بين مؤسسات التعليم العالي من خلال وضع خطة مشتركة لتشجيع برامج التوأمة بين الجامعات السعودية والإماراتية لتمكين الطلاب من الاستفادة من المزايا العلمية لدى المؤسسات التعليمية في كلا البلدين، إلى جانب تطوير سياسة الطفولة المبكرة، بهدف بناء معايير مشتركة لمرحلة الطفولة المبكرة تتوافق مع المعايير العالمية.
كما يشمل المحور البشري والمعرفي إطلاق منظومة التعليم الرقمية والتي تضم ملفا رقميا كاملا لكل متعلم "أكاديمي وصحي وغيرها" تمكنه من استشراف مستقبل كل قطاع ووضع توقعات للمسار الأكاديمي والمهني الخاص به بناء على الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي، إلى جانب تأسيس اللجنة السعودية - الإماراتية لسياسة التعليم الفني، والتي تختص بالإشراف على مواءمة الاستراتيجيات والمعايير والمؤهلات المهنية بين البلدين، وعقد ملتقى دوري للاطلاع على استراتيجيات التدريب التقني والمهني بين البلدين، ومواءمة نظام المؤهلات والمعايير بين البلدين والاستفادة من المؤهلات التي تم تطويرها في البلدين وربطها بمعايير المؤهلات العالمية، إضافة إلى توفير قواعد بيانات للاحتياجات التدريبية المستقبلية، وتبادل الخبرات بالشراكات مع القطاعين العام والخاص لتشغيل الكليات والمعاهد التقنية وبناء القدرات.
ويشمل المحور إنشاء كلية افتراضية مشتركة لتقديم التخصصات التقنية الملائمة، تهدف إلى إنشاء منصة ذكية عربية عالمية تتضمن البرامج والمواد التدريبية والتمارين الافتراضية، ومنح مؤهلات تقنية ومهنية يحتاج إليها سوق العمل في كلا البلدين، إلى جانب تعزيز الابتكار في مجال التعليم التقني بهدف تشجيع الابتكارات التقنية من خلال إيجاد منصة مشتركة تتضمن الابتكارات والإبداعات.
ويهدف التعاون في المحور السياسي والأمني والعسكري ضمن "استراتيجية العزم" إلى تعزيز التعاون والتكامل بين البلدين في المجال السياسي والأمني والعسكري بما يعزز أمن ومكانة الدولتين السيادية الإقليمية والدولية، ويركز على المجالات التالية: التعاون والتكامل العسكري، والتعاون والتكامل السياسي، والتعاون والتكامل الأمني.
ويضم هذا المحور عددا من المبادرات مثل التصنيع المشترك للذخائر التقليدية والأسلحة الخفيفة والعربات والأنظمة المسيرة وأنظمة الرماية الإلكترونية، والتعاون والتنسيق في المساعدات العسكرية الخارجية، والتعاون في مجال صيانة المنظومات العسكرية، وتوحيد المواصفات والمقاييس في قطاع الصناعات العسكرية.

الإمارات والسعودية شراكة شاملة استراتيجية
تتميز الشراكة الإماراتية - السعودية بالشمولية، سياسيا واقتصاديا، ولها موروث تاريخي وروابط متجذرة بين شعبي البلدين، وهو ما يدفعها إلى المضي قدما نحو آفاق أوسع.
ويمثل إنشاء مجلس التنسيق السعودي الإماراتي بعدا استراتيجيا في الطريقة التي تسعى بها الدولتان لمعالجة التحديات، والاعتماد على مصادر القوة في البلدين حيث يمثل حجم اقتصاد البلدين ما قيمته تريليون دولار (الأكبر في الشرق الأوسط) وصادراتهما تجعلهما ضمن أهم الصادرات العشرة عالميا، بقيمة تقترب من 700 مليار دولار، فيما يبلغ حجم التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين ما قيمته 24 مليار دولار، في حين بلغ حجم الواردات ما يقارب 550 مليار دولار.

الأكثر قراءة