FINANCIAL TIMES

تفاقم التضخم يحاصر أردوغان عشية الاستحقاق الرئاسي

تفاقم التضخم يحاصر أردوغان عشية الاستحقاق الرئاسي

حظيت الليرة التركية المتراجعة بفترة من الهدوء النسبي على مدى الأسبوعين الماضيين. بدا وكأن الرفع المفاجئ لأسعار الفائدة وأصوات التهدئة التي أطلقها كبار المسؤولين قد عملت على تهدئة الأعصاب، عقب لعبة مطولة من سياسة حافة الهاوية بين الرئيس رجب طيب أردوغان؛ والمستثمرين الدوليين، التي عملت على دفع العملة إلى مستويات قياسية دنيا، على أن المشكلات لم تنته بعد.
أظهرت الأرقام الصادرة الإثنين الماضي، وجود ارتفاع حاد في معدل التضخم. استجابة لذلك، تعززت الليرة، في الوقت الذي تراهن فيه الأسواق على أنه لن يكون أمام البنك المركزي في تركيا أي خيار سوى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى، في الاجتماع المقبل. رفع البنك سعر الفائدة الرئيس 300 نقطة أساس؛ ليصل إلى 16.5 في المائة في الثالث والعشرين من أيار (مايو) الماضي.
إضافة إلى معدل التضخم الاستهلاكي السنوي الذي وصل إلى 12.2 في المائة في أيار (مايو) الماضي، مرتفعاً بنسبة 1.3 في المائة عن الشهر الذي سبقه، تعاني البلاد أيضاً عجزاً واسعاً في الحساب الجاري وعبئاً ثقيلاً من ديون الشركات.
وكلاهما يجري تمويله من خلال تمويلات أجنبية تشعر بالإغراء الذي يدفعها إلى الابتعاد عن الأسواق الناشئة مثل تركيا، من خلال الدولار الأقوى وارتفاع عائدات السندات الأمريكية.
قال أوجراس أولكو؛ وهو محلل في معهد التمويل الدولي، مركز فكري مقره الولايات المتحدة: "الصورة الكبيرة هي أن تركيا تظل عرضة لمواجهة تحولات في المزاج العام للسوق. وهذا يتطلب مزيداً من الإدارة الاقتصادية الأكثر حذراً في المرحلة المقبلة".
الضعف الذي تعانيه تركيا يتفاقم بسبب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الحاسمة التي دعا إليها الرئيس أردوغان؛ قبل موعدها بعام ونصف العام، ويفصلنا عنها الآن ثلاثة أسابيع.
الفوز في الرابع والعشرين من حزيران (يونيو) الجاري، سيضمن لأردوغان؛ خمس سنوات أخرى في الرئاسة، ويبشر بحدوث تغييرات تعزز بشكل جذري صلاحيات الرئيس.
يشعر مسؤولون من الحزب الحاكم (حزب العدالة والتنمية) بالتوتر من أن الحزب، الذي عانى الدعم الضئيل خلال السنوات الأخيرة، يتعين عليه التماس ود الأصوات الانتخابية، في وقت يتسم بضعف العملة وارتفاع الأسعار، ومشاعر اللبس الاقتصادي. من الصعب أيضاً عليهم التصدي للأسباب الجذرية للمشكلات في أثناء انشغالهم بالحملة الانتخابية.
قال إلتر توران؛ أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيلجي في إسطنبول: "مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات، يبدو من المستحيل على أي حكومة إدخال سياسات لمكافحة التضخم. التصدي للتضخم يتطلب اتخاذ تدابير تقشفية وإجراء تعديلات على أسعار الفائدة".
بدلاً من ذلك، أعلنت الحكومة قائمة طويلة من هبات ما قبل الانتخابات، ووعدت بمواجهة ارتفاع أسعار الوقود من خلال تقديم إعانات مالية، في الوقت الذي تسعى فيه إلى إبقاء الناخبين راضين عنها.
تفاقمت المشكلات بسبب هجمات أردوغان؛ التي شنها ضد أسعار الفائدة، ووعود بتشديد قبضته على الاقتصاد بعد الانتخابات؛ الأمر الذي أفزع المستثمرين وسارع في تراجع العملة.
أحد أكبر المخاوف السائدة بين المسؤولين الأتراك هي التأثير في القطاع الخاص، الذي يبلغ فيه حجم إجمالي القروض المقومة بالعملات الأجنبية 295 مليار دولار.
الليرة المتراجعة، التي خسرت نحو 18 في المائة من قيمتها منذ بداية العام، تجعل التكاليف أكبر بكثير على الشركات التي اقترضت بالدولار أو اليورو من أجل خدمة ديونها.
الأسبوع الماضي، أفادت وكالة بلومبيرج بأن شركة جاما القابضة، تكتل مقره أنقرة، أصبحت آخر شركة تطلب من المصارف إعادة هيكلة نحو مليار دولار من الديون. وإن أخفق البنك المركزي في تلبية آمال المستثمرين المتمثلة في رفع أسعار الفائدة هذا الأسبوع، فإن حدوث عمليات بيع كبيرة من جديد لليرة التركية، يمكن أن يرغم المزيد من الشركات على البحث عن أحكام جديدة تتعلق بقروضها.
العدد المتزايد من طلبات إعادة الهيكلة أثار تساؤلات حول التداعيات على القطاع المصرفي التركي والاقتصاد الأوسع نطاقا.
في الأسبوع الماضي، خفضت وكالة موديز تقديراتها للنمو في تركيا لعام 2018 من 4 في المائة، إلى 2.5 في المائة، ما يشكل تناقضاً حاداً مع النمو المدفوع بالتحفيز الذي شهدناه العام الماضي بنسبة 7.4 في المائة.
أعلنت وكالة التصنيف "فيتش"، أنها تضع 25 مصرفاً تركياً تحت رقابة سلبية؛ ما يعني أنها يمكن أن تكون عرضة لحصول انخفاض في التقييم الائتماني. واستشهدت الوكالة "بتصاعد الضغوط البيئية العاملة الناتجة من تقلبات العملة أسعار الفائدة" كمحرك رئيس لهذا التحذير.
يقول المحللون إن القطاع المصرفي التركي لا يزال قوياً بفضل عملية الإصلاح الشاملة التي أعقبت الأزمة المالية عام 2001. متوسط نسبة كفاية رأس المال جيدة عند 16 في المائة، ومع ذلك يحذر المختصون من أن نسب القروض المتعثرة أعلى من الرقم الرسمي الذي تبلغ نسبته 3 في المائة، ومن المحتمل أن ترتفع.
قال جابور كيميني؛ شريك يغطي نشاطه مصارف أوروبا الشرقية والوسطى في "أوتونوماس للبحوث"، وهي شركة بحوث مستقلة: "نتوقع أن يكون هناك معدل أكبر في مخصصات الديون المتعثرة في المصارف التركية وانخفاض في رغبة الإقراض، خاصة بالعملات الأجنبية". يرى كثيرون الآن أنه سيكون هنالك تباطؤ أو حتى ركود في الأشهر المقبلة. قالت نورا نيوتيبوم؛ خبيرة اقتصادية في الأسواق الناشئة لدى بنك "إيه بي إن آمرو" الهولندي: "هنالك احتمال كبير بأننا وصلنا إلى مستوى الذروة الآن، ومن هنا سيكون مسار النمو تنازليا فحسب. وهذا من شأنه أن يتسبب تلقائيا في خفض التضخم وعجز الحساب الجاري، وبالتالي فإنه من جانب معين سيكون آلية للتصحيح".
في المقابل، حذرت نيوتيبوم؛ من أن مصدر القلق الأكبر بالنسبة للمستثمرين هو اعتماد تركيا على الأموال الأجنبية. يجب على تركيا العثور على نحو 200 مليار دولار سنوياً، لتمويل عجزها الواسع في الحساب الجاري والديون المستحقة.
وحيث إن احتياطيات العملات الأجنبية هي 85 مليار دولار فحسب، فإن ذلك يتسبب في حصول نقص كبير فيما لو تحولت مشاعر المستثمرين، وجفت فجأة تدفقات "الأموال سريعة الحركة بين المؤسسات المالية" الضرورية.
قالت نيوتيبوم: "القلق الرئيس الآن هو: هل سيواصل المستثمرون استعدادهم لتمويل هذا النقص، في ظل أسعار فائدة أدنى مما يرغبون؟ هذه هي السحابة القاتمة الكبيرة التي تخيم على سماء تركيا" وتؤرق أردوغان؛ وتضفي مزيداً من التساؤلات حول نتائج الانتخابات المقبلة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES