FINANCIAL TIMES

حتمية الحرب في قرن هيمنة عملاقي القارة الصفراء .. شأن طبيعي

حتمية الحرب في قرن هيمنة عملاقي القارة الصفراء .. شأن طبيعي

التقى الزعيمان الهندي والصيني ناريندرا مودي وتشي جين بينج، على التوالي، فى مدينة ووهان التاريخية بالصين في الشهر الماضي.
رحبّ الزعيمان الهندي والصيني ببعضهما بعضا بحرارة، وتحدثا أثناء احتساء الشاي وتجولا في الحدائق الريفية. أشار الرئيس تشي إلى أنه سبق له أن اجتمع مرتين فحسب بزعيم أجنبي زائر خارج بكين. في كلتا المناسبتين، كانت الزيارتان لمودي. على أنه بدلا من إثبات العلاقات الودية بين عملاقي آسيا الصاعدين، فإن الاجتماع في الغالب سلط الضوء على الانقسامات، نظرا لتدهور العلاقات بين الصين والهند بدرجة كبيرة، منذ أن أصبح مودي رئيسا للوزراء في عام 2014، خاصة بعد المأزق العسكري قرب الحدود البوتانية العام الماضي. كلا الطرفين يريد "إعادة ضبط" العلاقات بينهما.
موقف مودي كان الأضعف بين الاثنين. اقتصاد الهند أصغر من اقتصاد الصين، وجيشها أشد ضآلة بكثير. وكان كثيرون في نيودلهي يخشون من أن يكون النص الضمني للقمة نداء مفاده أنه يتعين على الصين تجنب مزيد من حوادث التدخل الحدودية، التي يمكن أن تزعزع استقرار حملة مودي لإعادة الانتخابات في العام المقبل. بدا تشي أكثر ثقة بالنفس، بعد أن مدد لفترة غير محددة فترة ولايته كرئيس للبلاد. ومع ذلك، وعلى الرغم من سرعة صعوده، يبدو أن الزعيم الصيني، غالبا ما يبدو غير متأكد من أفضل السبل لإدارة تعقيدات نطاقه العالمي الجديد. هذا الإحساس الواسع باللبس هو جزء مما يسميه روبرت كابلان، المفكر الأمريكي في السياسة الخارجية، "عودة عالم ماركو بولو"، بمعنى ظهور نظام عالمي جديد يبدو مألوفا بشكل غريب لماركو بولو، المستكشف الإيطالي من القرن الـ13. تشير الحكمة التقليدية إلى أن أمريكا تشهد انخفاضا نسبيا في حين أن الصين والهند والقوى الناشئة الأخرى هي في صعود.
رؤية كابلان هي أكثر تعقيدا وهو يكتب "سيتم تحديد الخريطة بشكل متزايد من خلال حضارة القرون الوسطى الجديدة". ستنخفض قوة الدول في حين أن الولاءات "للمدينة والإمبراطورية والقبيلة" ستزداد أهميتها، كما كانت عليه الحال قبل ظهور الدولة القومية الحديثة في القرن الـ17، في أعقاب صلح وستفاليا. ويضيف كابلان "كلما صغر العالم بسبب تقدم التكنولوجيا، فإنه يبدو أكثر قابلية للاختراق، وتعقيدا وغامرا، مع أزماته التي لا عدد لها، والتي تبدو مستعصية على الحل". لا عجب في أنه حتى القادة الأقوياء مثل مودي وتشي يكافحون من أجل فهم هذا العالم. كتاب كابلان هو سرد مشوق لعصر قادم من الارتباك العالمي. فصله الأول الذي يعرض فيه أطروحته، الذي بدأ حياته كورقة بتكليف من وزارة الدفاع الأمريكية، هو جيد بشكل خاص.
والفصول الأخرى مأخوذة في الغالب من مقالات قديمة نشرت في المجلات، بما في ذلك سلسلة من المقالات عن المفكرين العالميين مثل صامويل هنتنغتون، أستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد، وجون ميرشايمر، الباحث في الشؤون الدولية "الواقعي" المثير للجدل.
الواقعية تنظر إلى العالم على أنه "غابة فوضوية" تسكنها دول قلقة وأنانية، وهي تلخص بشكل أساسي آراء كابلان، بل إنه حتى خصص فصلا انتقاديا للغاية لدونالد ترمب، مجادلا بأن سياسات الرئيس الأمريكي لا تستحق النظر إليها كجزء من المدرسة نفسها.
الجغرافيا مهمة لكابلان، وكذلك التاريخ، وهو متفائل بشأن مستقبل الحضارات التي تعود إلى العهود القديمة مثل إيران وتركيا، حتى لو كانت اقتصاداتها غير مستقرة.
كما أن التكنولوجيا مهمة للغاية لفهمه للعالم المقبل، سواء فيما يتعلق بالطريقة التي تُمكِّن بها المتظاهرون والإرهابيون، وكذلك لأنها أيضا تجرجر القوى الكبرى إلى صراعات محلية، كما حدث في سورية.
عوامل أخرى، تبدأ من أرقام النمو الفصلية إلى الميزانيات العسكرية، تهمه بشكل أقل. الأفكار التي يستخلصها من هذه النظرة العالمية مثيرة للفُرقة ولكنها مقنعة. في كتاب سابق له بعنوان "الرياح الموسمية"، صاغ استعارة "سلسلة من اللآلئ" لوصف القواعد البحرية الصينية المتكاثرة في أنحاء المحيط الهندي.
غالبا ما يتعامل الأكاديميون مع المفهوم بشكل متعجرف، مدعين أنه ليست لديه قيمة تنبؤية تذكر، لكنه لا يزال يستخدم على نطاق واسع من قبل الدبلوماسيين والصحافيين، لأنه يصف بشكل جيد للغاية ما يراه معظمهم أنه نوايا الصين، وهو تحديدا انتشار نطاق نفوذها عبر الفناء الخلفي للهند. في أحدث كتبه، تصف صورة ماركو بولو مجالا جيوسياسيا جديدا وموسعا للعب. غالبا ما يوصف مسار رحلات ماركو بولو عبر اليابسة الأوراسية (الأوروبية- الآسيوية) بأنه "طريق الحرير"، على الرغم من أن هذه العبارة لم توضع إلا في القرن الـ19. يعتقد كابلان أن هذه المنطقة نفسها ستكون الآن قلب الصراع في القرن الـ21. وكتب قائلا "في الوقت الذي تختفي فيه أوروبا، تتلاحم أوراسيا"، مشيرا إلى أن الغرب الضعيف لا يمكن إلا أن يتفرج، في الوقت الذي تصبح فيه أوراسيا نفسها محورا للمنافسة الدولية. على هذه الخلفية، يجب على الولايات المتحدة أن تفهم عجزها عن صياغة الأحداث العالمية، كما فعلت بعد الحرب الباردة. بدلا من ذلك، يجب أن يكون هدف أمريكا بسيطا: وقف الصين من الهيمنة على شرقي آسيا، بالطريقة التي تعمل بها الولايات المتحدة نفسها عبر نصف الكرة الغربي. إذا كان أحد المشروعات يحدد هذه اللحظة الجديدة، فهو مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. يعرف المصطلح في الأصل باسم "حزام واحد، طريق واحد"، ويصف سلسلة من مشاريع الطاقة والنقل الجريئة التي تشمل استثمارات صينية بقيمة تريليون دولار أو أكثر. انتشر بعضها برا عبر أوراسيا، في حين أن البعض الآخر - "سلسلة اللآلئ" – يتلوى حول المحيط الهندي ونحو إفريقيا. حجم مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" يقزم مساعي القوى العظمى السابقة، من بناء السكك الحديدية الاستعمارية في بريطانيا إلى خطة مارشال الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من أن أذرع هذه المبادرة تمتد الآن إلى أمريكا اللاتينية، إلا أن أماكن قليلة تظهر مدى نطاقها بوضوح أكثر من جنوب شرق آسيا. أصبحت المنطقة التي كانت تعرف في السابق باسم الهند الصينية، المحصورة بين عملاقي آسيا البارزين، مركزا أكثر أهمية من أي وقت مضى لمنافسة القوى العظمى. ووفقا لويل دويغ في "الإمبراطورية سريعة الحركة"، وهو كتاب قصير يدرس خطط الصين، فإن طموحات تشي لا تقل عن كونها "خطة لاستعادة الأهمية العالمية للبلاد". يسافر دويغ، وهو صحافي مقيم في الولايات المتحدة، عبر لاوس وماليزيا وتايلند، ليسرد حكاية مشوقة تركز في الغالب على "دبلوماسية السكك الحديدية" الصينية.

دبلوماسية السكك الحديدية الصينية

هذه تشتمل على أعمال ضخمة، في عام 2015، ذهبت 41 في المائة من إيرادات السكك الحديدية العالمية إلى شركات صينية. وفي لاوس المحاطة باليابسة وهي دولة متخلفة خاضعة للحكم الشيوعي، تعتزم الصين ربط مدينة كونمينغ في جنوب غرب البلاد بتايلاند. وفي النهاية سيتوجه الخط إلى ماليزيا وينضم إلى وصلة أخرى عالية السرعة موضوعة على نطاق البحث، ما يخلق شريانا يمتد من بكين إلى سنغافورة، حيث يسعى تشي إلى إنشاء "منطقة مغلفة بالاتصالات والتأثير والتحكم الصيني".
ومع ذلك، وعلى الرغم من كل القوة المالية والهندسية الصينية، إلا أنه غالبا ما تعاني مشاريع الصين الضخمة المتاعب. يحكي دويغ عن قصة نائب رئيس الوزراء السابق في لاوس، وهو صانع صفقات غير متقيد بنظام أو قانون يسمى سومسافات لينغسافاد، الذي جلب المليارات في الاستثمار من خلال برامج البنية التحتية والعقارية الصينية.
ومع ذلك، من غير المرجح أن يحقق خط السكك الحديدية الجديد البراق في البلاد أي ربح، في حين قدمت الصين القروض بأسعار فائدة مؤذية، ما أدى إلى غرق لاوس في الديون. تبلغ تكلفة ميزانية مشروع السكك الحديدية نحو ستة مليارات دولار، أي ما يعادل نصف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
هناك مشاكل صينية مماثلة تصيب آسيا. الديون تطارد مبادرة "حزام واحد، طريق واحد" من سري لانكا إلى ميانمار. الفساد هو أحد القضايا. يشكو السكان المحليون من المشاريع التي بناها العمال الصينيون المهاجرون.
يتحدث دويغ عن منطقة اقتصادية خاصة عملاقة في ماليزيا التي تم هجرها عندما نفدت أموال مطورها الصيني. وأثارت المخاوف بشأن الصين أيضا خلفية الانتخابات الماليزية المفاجئة التي جرت هذا الشهر، عندما استعاد مهاتير محمد، زعيم المعارضة البالغ من العمر 92 عاما والمنتقد للصين، السلطة.
في لاوس، تمت الإطاحة بسومسافات بسبب آرائه المؤيدة لبكين، واختار أن يصبح راهبا بوذيا بدلا من ذلك. مشاكل بلاده ليست غير عادية في المناطق الأكثر فقرا في آسيا.
وكما يكتب دويغ "الصفات التي ساعدت الصين على كسب الدخول – الاختلال الوظيفي، والفساد، والفقر - هي أيضا الصفات التي يمكن أن تحول مشاريع واسعة النطاق وطويلة الأجل إلى متاهات بلا مخارج".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES