default Author

هوس الشفاء

|
في كل مرة أفتح فيها وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، يقابلني سيل من الدعايات لعلاجات معينة، فيها دواء لكل داء، حتى السام أو طرق أستطيع أن أقول عنها إنها بدائية، وتعارض العقل والنقل لتحليل مادة معينة أو منتج معين. في الأمس وصلتني رسالة أقضت مضجعي وأحزنتني، فيها شخص يدعي أنه حصل على خلايا سرطانية، وهذه الخلايا وضعت في طبق وتتحرك، فهي تنفر من الثوم وتنجذب للذهب! لن أرد على هذه الخزعبلات، ولكن ما يحدث الآن امتداد لما حدث بالأمس، ولم يعِ الناس خطورة ما يواجهون ويُسوَّق إليهم إلا بعد وقوع الكارثة، فمع بدايات القرن العشرين، وبعد اكتشاف الراديوم، قامت شركات عدة بتصنيع منتجات يدخل في تركيبها الراديوم، وروج لتلك المنتجات في الصحف الرسمية؛ لأثرها في شفاء عديد من الأمراض، ولم تكتشف خطورة المواد المحتوية على الإشعاع إلا بعد موت أعداد كبيرة من العاملين في تلك المصانع! وقبل ذلك بآلاف السنين، استخدم قدماء المصريين روث الحيوانات من حمير وبقر وغزلان وبراز الكلاب والذباب لأغراض طبية، وبالذات براز الكلاب، الذي كان يخلط مع العسل لعلاج التهاب الحنجرة، ورغم أنه يشفي في بعض الأحيان، وقد يكون ذلك بسبب العسل لا البراز، إلا أنه يسبب مرض الكزاز الأخطر من التهاب الحنجرة! وأيضا امتلأت الصحف مع نهاية القرن التاسع عشر للترويج للتدخين، وأنه علاج للربو، والتهاب الحنجرة، وربطوا دعاية دخان السجائر بنوعها وماركتها إلى ستينيات القرن العشرين، حيث بدأ الناس يكتشفون أضرار التدخين ومرض وموت عديد من المروجين له، وأشهرهم الممثل الأمريكي ديفيد ماكلين. وروج للدودة الشريطية كوصفة فعالة لإنقاص الوزن، لتسكن أحشاء البدين وتشاركه طعامه، ليُكتشف فيما بعد آثارها الخطيرة على جسم الإنسان، وما تسببه من غثيان وقيء وإسهال، ينتهي بفقر دم وآلام حادة في البطن. وفي خمسينيات القرن العشرين، ظهر بحث يفيد بأن في غضاريف سمك القرش علاج لمرض السرطان، هذا البحث قام به الدكتور جون برودن من جامعة هارفرد، وفعلا أُنتِجت حبوب دوائية تحوي غضاريف الأسماك، ليثبت بعد فترة من الزمن عدم مصداقية البحث، وأنه ليس للغضاريف أي أثر في علاج أو القضاء على السرطان، بل إن تأثير العلاج الوحيد هو نقص أعداد سمك القرش حول العالم، وليس الخلايا السرطانية. ومع تزايد أعداد المرضى النفسيين بشكل ملحوظ في الولايات المتحدة، قام طبيب الأعصاب البرتغالي أنطونيو إيجاسمونيز عام 1935 بعملية فصل الفص المخي الجبهي لتخريب الجزء الواصل بين فصي المخ للتقليل من الأمراض النفسية، وكانت النتيجة وفاة عديد ممن خضعوا لهذه العملية، وإصابة من نجا منهم بقصور عقلي!
إنشرها