Author

الكرامة الإنسانية بين التنظير والممارسة

|
ليس بغريب أن ننبهر بالغرب، ونعجب به لما حققه من إنجازات تقنية عالية، ومتقدمة سهلت، ويسرت ظروف الحياة في معظم الأوطان القادرة على اقتناء هذه المنتجات التي لا يمكن حصرها في مجال دون آخر، سواء في الاتصالات، أو في المجال الطبي، أو المواصلات، أو الألبسة، أو الأواني وغيرها مما يصعب حصره، ولا يمكن إنكار أن قدرنا أن نستهلك ما ينتجه الآخرون. الإعجاب، والاستهلاك لا يمكن حصره في المنتجات المادية، بل يمتد إلى المنتجات المعرفية من نظريات وقوانين علمية، إضافة إلى النظم الإدارية والقوانين المنظمة لحياة الشعوب والمجتمعات، وهذا الوضع المتمثل في حالة الانبهار، والإعجاب لم يترك للتمييز بين الغث والسمين فرصة، فما يصدر من مؤسسات، وشركات، ودوائر صناعة القرار في الغرب يتحول بصورة تلقائية إلى أمر مسلم به ومقبول؛ لأن حالة الإعجاب تحولت إلى حالة ثقة مطلقة، حتى لو كان الشيء مضرا بنا، وبمصالحنا، أو يتعارض مع الثوابت والقيم التي نؤمن بها. كرامة الإنسان أكدتها الشرائع السماوية، والدساتير المدنية، وتشكلت باسمها هيئات، ومحاكم دولية، إلا أن هذه الكرامة تختفي، ولا يعود لها وجود ما دام مَن ينتهكها دولة أو جهة غربية، بل إن القوانين والدساتير تكيف لاستباحة، أو قبول، وغض الطرف عن استباحة كرامة الإنسان في نفسه، أو عرضه، أو معتقده وماله. قتلت إسرائيل خلال مسيرات العودة التي ينظمها الفلسطينيون المئات، وجرحت الآلاف بحجة الدفاع عن النفس، رغم أن المشاركين في المسيرات ليس معهم حتى العصي، ومع ذلك يتم قتلهم بدم بارد. الغرب بآلته الإعلامية الضخمة، ومؤسساته السياسية، وألاعيبه التي لا تنتهي لا يرى في ذلك انتهاكا لكرامة وحقوق الإنسان، بل يدافع عن هذه الممارسات، ويدعمها سياسيا وماليا وعسكريا، وفي الوقت نفسه تكثر تصريحاته وتحركاته ضد المملكة المدافعة عن حدودها، وشعبها في حرب اليمن، ولا يمل من تكرار انتهاك حقوق الإنسان، وقتل المدنيين في اليمن، في حين لا ذكر لما يقتل من المواطنين السعوديين على أيدي الحوثيين، خاصة في المدن والقرى الحدودية. ما السبب في ذلك؟ تأملت كثيرا في ذلك وتوصلت باستقراء أحداث التاريخ، وممارسات الغرب التي تتخذ نسقا متكاملا أن كرامة الإنسان بالنسبة للإنسان، والثقافة، والفكر الغربي يغلب عليها الطابع النفعي الصرف، فالمصلحة مقدمة على المبدأ، بل إن القيم تؤسس على أساس المصلحة ولا غير. بعيدا عن التنظير يلزم إيراد الحقائق، فقد أعلنت شركة منتجاتها من الأحذية، والأحزمة، والمحافظ المصنوعة من جلد الإنسان، ومن شروط الشركة لاستقبال الجلود الآدمية أن يكون الجلد مرنا وقابلا للترطيب، لقد صعقت وأنا أقرأ الخبر، حيث تبلغ قيمة الحذاء 18 ألف يورو، أما المحفظة فقيمتها 14 ألف يورو، وأما تحويل الناس خاصة الشعوب الفقيرة، والأقل تعليما إلى حقل تجارب للأدوية الجديدة فحدث ولا حرج؛ إذ إن شركات صناعة الأدوية تهرب من دولها تجنبا لقوانينها، وتفعل الأفاعيل وتنشر الأمراض وتعرض حياة الناس للخطر في دول لا توجد فيها القوانين الحمائية. وما يقال عن الأدوية يقال بشأن الأسلحة، حيث تجرى التجارب على شعوب ضعيفة، ليس لديها من القوة ما تحمي به نفسها، وأقرب مثال على ذلك تصريح المسؤولين الروس بأنهم جربوا عديدا من الأسلحة الجديدة في حربهم في سورية، التي راح ضحيتها مئات الآلاف، ودمرت عديدا من المدن السورية. من حقنا ونحن نواجه تحديات الغرب السياسية، والإعلامية، وتدخلاته العسكرية أن نحاججه في أطروحاته، وادعاءاته الكاذبة بشأن حقوق الإنسان التي نصَّب نفسه مشرعا فيها، ومدافعا عنها، وهو في سلوكه، وتصرفاته يفتك بها ويلغيها من قاموسه متى ما تعارضت مع مصالحه، من واجبنا أن نؤكد في أطروحاتنا في المحافل الدولية وفي اللقاءات الدبلوماسية أن كرامة الإنسان في الإسلام مكفولة، سواء كان الإنسان حيا أو ميتا، ولا يمكن أن يتحول إلى سلعة تباع وتشترى، كحذاء، أو محفظة "ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات".
إنشرها