Author

تفطير الصائمين

|
تعمر المساجد في رمضان؛ حيث تأنس الروح للذكر والعبادات والصلاة والاستغفار، يلاحظ هذا على مستوى كبير في الجوامع الكبرى، وعلى مستوى أقل في مساجد الأحياء. تلكم فرصة عظمى لأهل كل حي ليدلوا الناس على الخير، ويسهموا في لَمِّ شمل المجتمع حول المسجد، وهو من أهم مكونات المجتمع المسلم. يبذل الأئمة جهودا خيِّرة في سبيل تهيئة الأجواء ودعم اللقاء بين الناس في هذا المكان المقدس. لعل من أهم عناصر الدعوة للوافدين هو الإفطار الجماعي، الذي تنظمه أغلب المساجد، ويموله أهل الحي من طالبي الأجر والمثوبة. لئن كان هناك مآخذ على بعض العمالة الذين يأتون لأكل الطعام فقط، فالمسؤولية الأكبر تقع على أهل الحي، وأولهم الإمام، الذي لا بد أن يفطن لأهمية الحضور قبل الجميع في هذه الموائد، وأن تكون منظمة؛ حيث تضمن بقاء الأشخاص لحين إقامة الصلاة جماعة، وهو هدف مرحلي يراد منه جذب الجميع لأداء الصلوات في المسجد في رمضان ليستمر بعده. الدعوات التي انتشرت أخيرا للمطالبة بالتوقف عن تنظيم اجتماعات الإفطار التي تعمر بها المسجد، لم تنظر لنجاحات مهمة حققتها مساجد في مدننا نفسها. من تلك ما شاهدته في جامع عمر بن الخطاب، حيث كان إمام المسجد ومعه كبار أهالي الحي يحضرون ويشرفون على الوجبات شخصيا. يبقى الشيخ في المسجد من صلاة العصر حتى ينهي صلاة التراويح مع المصلين، ويستقبل السائلين، وينظم المحاضرات المفيدة، ويحقق مفهوم الدعوة الذي يجعل الجامع إلى اليوم واحدا من أكثر الجوامع جذبا للوافدين. تلك قصة نجاح عايشتها، وهناك كثير مثيلاتها، بل إن بعض القرى فيها من الجذب للوافدين أكثر مما نجده في بعض الجوامع الكبرى. هناك يأتي المصلون كلٌّ بشيء من إفطار أهل بيته، ويشارك فيه الموجودون في المسجد، فيكون هذا سببا في جذب الوافدين من الرعاة والسائقين والعمال، ثم إن هذه الحال تستمر بعد أن يبني الجميع علاقات شخصية معا، ويتحول المسجد إلى أهم قنوات الجذب للدين الإسلامي. ما يمكن أن نتعلمه من هذه التجارب أن المفهوم قد لا يكون خاطئا، وإنما طريقة التنفيذ هي الخاطئة، وهو ما يجب أن نعمل على تعديله وتحسينه وإصلاحه لتحقيق الهدف الأسمى، وهو جعل شهر رمضان واحدا من أهم عوامل الجذب في اتجاه الدين لمن يفدون إلينا.
إنشرها