Author

قريب .. بعيد

|
تلقى صديق نصيحة في أول يوم عمل له في وظيفته الجديدة مشرفا على مكتب رئيس تنفيذي لشركة. قال له زميله الأقدم منه تجربة: "أنصحك أن تكون قريبا وبعيدا من رئيسك". سأله صاحبه: "كيف أكون قريبا وبعيدا في الوقت نفسه". شرح له قائلا: "قريب عندما يستنجد بك. يشعر أنك أقرب إليه من أي أحد. وبعيد حينما يود أن يختلي أو ينفرد بنفسه. إذ تتبخر من أمامه ولا يجد أثرا لك". أبهرتني هذه الفلسفة التي لا تنسحب على علاقة الموظف برئيسه فحسب بل بعلاقاتنا الزوجية وصداقاتنا المخلصة كذلك. فإن تكون زوجا يعني أن تكون قريبا للغاية عندما تحتاج إليك زوجتك، أول من يهب لمساعدتها. أو يهنئها. وبعيدا حينما تشعر أن شريكك يود أن يحصل على مساحة خاصة لا يتقاسمها مع أحد أي أحد حتى لو كنت أنت. هناك من يقترف خطأ فادحا بالالتصاق المزمن بمن يحب في كل الظروف. هذا الاقتراب المتطرف لا يقربك بل يبعدك. حافظ على دهشة الاقتراب. اختر التوقيت الذي تكون فيه قريبا جدا والآخر البعيد جدا. أحيانا نتضايق من بثور تنبت على أجسادنا رغم أنها نبعت منا، فكيف بجسم آخر طارئ علينا. لا تكن كالبثور تثير الذعر والضيق، كن مثل العطور تشعل الحبور في الصدور. حاول أن يرتبط قربك بالأثر والتأثير بالفاعلية والكفاءة، وليس تكملة لا قيمة لها، وحضورا لا جدوى منه. دع من تحب وتحترم يعثر عليك عندما يريدك، وتغيب عندما لا يحتاج إليك. أعلم تماما أنها معادلة صعبة للغاية ولكن إذا استطعنا حلها ظفرنا بأحبتنا، ونعمنا بعلاقة استثنائية مستدامة. كن الماء الذي ينشده في عطشه، يرويه وينعشه ويبهجه، يتدفق في روحه وخلاياه وأنسجته، يرطبها ويشعلها ألقا وبريقا. كن منتظرا دائما. حضورك يرسم ابتسامة عريضة على محياه ويربت على كتف مزاجه. احذر أن يكون قربك مصدرا لضيقه وانزعاجه وفراره. نقسو على من نحب عندما نقترب أكثر من اللازم. فالاقتراب الكبير كالابتعاد الكبير لا يستهويان الكثيرين. فإذا كنت تبحث عن علاقة أكثر حيوية وسعادة وأقل توترا، طبق نصيحة زميل صديقي: كن قريبا وبعيدا معا. وقطعا ستكون حياتك ألذ.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها