default Author

تراجع النمو العالمي مستقبلا

|
من المتوقع أن يتراجع النمو العالمي بعد العامين المقبلين. فبمجرد سد فجوات الناتج في معظم الاقتصادات المتقدمة، ينتظر أن تعود معدلات النمو إلى المستوى الممكن الذي يقل كثيرا عن متوسطات ما قبل الأزمة، التي تكبحها شيخوخة السكان والإنتاجية الضعيفة. وسيتباطأ النمو في الولايات المتحدة إلى أقل من المستوى الممكن مع انقضاء الأثر التوسعي للتغييرات التي أدخلت على سياسة المالية العامة أخيرا. ومن المتوقع أن يظل النمو هزيلا في عدة أسواق صاعدة واقتصادات نامية، بما في ذلك بعض البلدان المصدرة للسلع الأولية التي لا تزال تواجه احتياجا كبيرا إلى الضبط المالي. وبينما تتسم آفاق الاقتصاد العالمي قصيرة الأجل بدرجة كبيرة من التوازن بين احتمالات تَجاوز التوقعات ومخاطر التطورات السلبية، نجد أن ميزان المخاطر يرجح الكفة السلبية بشكل واضح بعد عدة أرباع عام مقبلة. وتشمل المخاوف المتعلقة بالتطورات السلبية إمكانية حدوث تشديد حاد في الأوضاع المالية، وانحسار الدعم الشعبي للاندماج الاقتصادي العالمي، وتصاعد التوترات التجارية، ومخاطر حدوث تحول نحو السياسات الحمائية، والتوترات الجغرافية - السياسية. ويتيح التعافي الجاري فرصة للتقدم في السياسات والإصلاحات التي تؤمن الانتعاش الجاري، وترفع النمو متوسط الأجل لما فيه مصلحة الجميع. وينبغي أن تركز مثل هذه السياسات على تعزيز إمكانات تحقيق نمو أعلى وأكثر احتواء لكل شرائح المجتمع، وبناء هوامش أمان للتعامل بصورة أكثر فعالية مع فترة الهبوط المقبلة، وتحسين الصلابة المالية لاحتواء المخاطر السوقية والشواغل المتعلقة بالاستقرار، وتوثيق التعاون الدولي. وقد أسدل الستار على عام 2017 بحالة إيجابية في النشاط الاقتصادي؛ حيث تجاوز النمو 4 في المائة في النصف الثاني من العام، وهو أقوى معدل منذ النصف الثاني من عام 2010، وذلك بدعم من تعافي الاستثمار. وتجاوزت النتائج تنبؤات عدد تشرين الأول (أكتوبر) 2017 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي بالنسبة لمنطقة اليورو واليابان والولايات المتحدة والصين، وواصلت التحسن بالتدريج في البلدان المصدرة للسلع الأولية. ولا تزال الأوضاع المالية داعمة، رغم التقلب الذي شهدته أسواق الأسهم أخيرا، والزيادات التي طرأت على عائدات السندات عقب ظهور دلائل على ارتفاع التضخم في الاقتصادات المتقدمة. ومع الزخم واسع النطاق والتوقعات التي تشير إلى توسع مالي كبير في الولايات المتحدة على مدار العامين الحالي والمقبل، تشير التوقعات الحالية إلى نمو عالمي قدره 3.9 في المائة لعامي 2018 و2019، بزيادة قدرها 0.2 نقطة مئوية للعامين مقارنة بتنبؤات تشرين الأول (أكتوبر) 2017. غير أن هذا الزخم الإيجابي سيتباطأ في نهاية المطاف، تاركا كثيرا من البلدان أمام آفاق مليئة بالتحديات على المدى المتوسط. فستنحسر بعض القوى الدورية، حيث يتوقع أن تشتد الأوضاع المالية بطبيعة الحال مع سد فجوات الناتج، وعودة السياسة النقدية العادية، وسيقل زخم الإصلاح الضريبي الحالي في الولايات المتحدة اعتبارا من عام 2020، ثم يزداد تراجعا في 2023 مع انتهاء المدة المقررة لخصم التكلفة الاستثمارية للأغراض الضريبية، ومن المتوقع أن تستأنف الصين التحول إلى معدلات نمو أقل، مع انكماش النمو الائتماني والتحفيز المالي. وفي الوقت نفسه، بينما سيساعد التعافي المتوقع للاستثمار على رفع الناتج الممكن، تخضع الآفاق متوسطة الأجل في الاقتصادات المتقدمة لقيود يفرضها ضعف اتجاهات الإنتاجية، وتراجع نمو القوى العاملة بسبب شيخوخة السكان. وهناك تباين في الآفاق عبر الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. فلا تزال الآفاق مواتية في آسيا الصاعدة وأوروبا، بينما تنطوي على تحديات في أمريكا اللاتينية، والشرق الأوسط، وإفريقيا جنوب الصحراء، حيث تظل آفاق النمو ضعيفة على المدى المتوسط بوجه عام في البلدان المصدرة للسلع الأولية ــــ رغم تحقيق بعض التعافي ـــ مع الحاجة إلى زيادة تنويع الاقتصاد والتكيف مع انخفاض أسعار السلع الأولية. ومن المتوقع أن يحقق أكثر من ربع الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية نموا أقل على أساس نصيب الفرد مقارنة بالنمو في الاقتصادات المتقدمة على مدار السنوات الخمس المقبلة، ومن ثم يزداد تراجع مستوياتها المعيشية أيضا. وهناك توازن عام في مخاطر المدى القريب، لكن المخاطر تميل بوضوح إلى الجانب السلبي بالنسبة لما هو أبعد من عدة أرباع عام مقبلة. فمن حيث احتمالات تجاوز التوقعات، قد تكون طفرة النمو في الاقتصادات المتقدمة أقوى وأكثر استمرارية من المتوقع في السيناريو الأساسي، بينما يمكن أن يكون الركود في أسواق العمل أكبر من التقييمات الحالية "الفصل الثاني، عدد تشرين الأول (أكتوبر) 2017 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي". وإضافة إلى ذلك، قد يؤدي تعافي الاستثمار الجاري إلى تشجيع تعافي الإنتاجية، ما يعني ارتفاع النمو الممكن في الفترة المقبلة. ومن حيث مخاطر التطورات السلبية، قد يحدث تشديد حاد في الأوضاع المالية التي لا تزال تيسيرية رغم بدء العودة إلى السياسة النقدية العادية، ما قد يكشف عن مواطن الضعف المالي، ويتسبب في تداعيات سلبية على النمو. وكما ورد في عدد نيسان (أبريل) 2018 من تقرير الاستقرار المالي العالمي، يشير تحليل "النمو المعرض للخطر" بالفعل إلى أن المخاطر التي تواجه النمو على المدى المتوسط، والناشئة عن الأوضاع المالية التيسيرية، لا تزال أعلى بكثير من المعايير التاريخية. وفي الولايات المتحدة، يمكن أن يأتي تشديد الأوضاع المالية بسرعة أكبر من المتوقع، وذلك مثلا إذا عدلت الأسواق تقييمها لمسار السياسة النقدية المستقبلي، أو ارتفع التضخم المتحقق أو المتوقع في الأجور والأسعار، أو حدث اتساع مفاجئ في فروق علاوات المخاطر على الاستثمار طويل الأجل، أو كل هذه الأمور معا. وستكون لتشديد الأوضاع المالية في الولايات المتحدة تداعيات على الاقتصادات الأخرى، بما في ذلك التداعيات التي تنتقل من خلال انخفاض التدفقات الرأسمالية إلى الأسواق الصاعدة. ومن المتوقع أن تتسع الاختلالات العالمية بفعل سياسة المالية العامة التوسعية للغاية في الولايات المتحدة، في وقت أصبح فيه عجز الحساب الجاري أعلى بالفعل مما تبرره أساسيات الاقتصاد، في مقابل فوائض زائدة مزمنة في الحساب الجاري لدى البلدان الأخرى.
إنشرها