FINANCIAL TIMES

إدارة ترمب تعرض سيادة الدولار للخطر

إدارة ترمب تعرض سيادة الدولار للخطر

عند اندلاع الحرب العالمية الأولى باع المستثمرون الدولارات واشتروا الجنيه الاسترليني. كان يجدر بهم أن يفعلوا العكس، لأن بريطانيا كانت قد أعلنت الحرب والولايات المتحدة كانت طرفا بعيدا. لكن الجماهير هرعت إلى بر الأمان في تلك الأزمة - ومن ثم أصبح الجنيه الاسترليني هو العملة الاحتياطية. ولم يخطر على بالهم أن مكانة الجنيه سوف تتراجع بسبب ديون الحرب.
كان رد فعل الأسواق مماثلا لذلك بعد انهيار بنك ليمان براذرز في عام 2008. فمع أن الأزمة بدأت في وول ستريت، ارتفع الدولار وكوفئت أمريكا على الذنوب التي ارتكبتها. لكن لا يمكن للتبذير أن يستمر إلى أجل غير مسمى. من خلال إجراءاته، يعجل الرئيس ترمب بيوم الحساب للدولار.
التأثير الملموس الأكبر للرئيس الأمريكي هو تأثيره على الدين العام. إذا لم ينته أمد التخفيضات الضريبية التي فرضها، كما يراد لها ذلك في غضون عقد من الزمن، سترتفع الديون السيادية الأمريكية من 77 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي اليوم إلى 105 في المائة بحلول نهاية عام 2028. وهذا من شأنه أن يعادل تقريبا أعلى مستوى وصلت إليه في التاريخ ـ كان ذلك خلال الحرب العالمية الثانية. بالمقارنة، تصل ديون إيطاليا إلى 131 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
بموجب القانون الحالي، وهو القانون الذي يجب على مكتب الميزانية في الكونجرس الأخذ به، سوف يصل الدين الأمريكي إلى 96 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في غضون عشر سنوات. من الناحية العملية، المقياس الوحيد الذي يحظى بأهمية هو السياسة في واشنطن، التي تنص على أن التخفيضات الضريبية المؤقتة هي أمر دائم.
لكن هذا يقلل من شأن تأثير ترمب لأنه لا يترك أي مجال لحدوث ركود. في ظل فترة الركود التي حصلت في عام 2007، وصلت الديون الأمريكية المملوكة للقطاع العام إلى 35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وزادت أكثر من الضعف وبقيت محتفظة بذلك المستوى منذ ذلك الحين. لو حدثت فترة ركود أخرى، لكان ينبغي للاقتراض الأمريكي الارتفاع بشكل حاد أكبر بكثير مما حصل قبل التخفيضات الضريبية التي فرضها ترمب. لقد حرم الرئيس وزارة الخزانة الأمريكية من الذخيرة التي يمكن أن تحتاج إليها لمحاربة الركود الاقتصادي.
حصل هذا قبل الأخذ في الحسبان أن الاحتياطي الفيدرالي بدأ بالكاد في تخفيف ميزانيته العمومية التي تقارب أربعة تريليونات دولار، والتي جمعها في إطار برنامج التسهيل الكمي. وبما أن الاحتياطي الفيدرالي وصل إلى مستوى التضخم أصلا، يتعين على السياسة المالية العامة تحمل مقدار أكبر من الركود. وتوقعات المحللين تجعل فرصة حصول ركود أمريكي خلال العامين المقبلين بنسبة واحد إلى ثلاثة. بالتالي من المعقول أن نراهن على أنه إن اعتقد ترمب أن إعادة انتخابه في عام 2020 معرضة للخطر، فإنه سوف يُنتِج حافزا كبيرا آخر.
هذا هو المجال الذي يأتي فيه دور الديمقراطيين. إحدى النتائج الثانوية التي ترتبت على هزيمة هيلاري كلينتون كانت ردع الديمقراطيين عن موازنة الدفاتر. حاولت هيلاري قصارى جهدها لبيان أن أولويات الإنفاق لديها كانت ممولة. لم يلاحظ الناخبون ذلك. ترمب، من ناحية أخرى، قدم للشعب الأمريكي وعودا حالمة - مثلما فعل بيرني ساندرز، المنافس الأقرب لهيلاري للترشح عن الحزب الديمقراطي. توصل الديمقراطيون إلى النتيجة الطبيعية. في حال تمكنوا من استعادة السيطرة على مجلس النواب في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، ستصبح الظروف مواتية لتحقيق قفزة كبيرة أخرى في الديون الأمريكية.
على مدى سنوات كثيرة، كان الديمقراطيون يناصرون مراعاة المسؤولية في المالية العامة، بينما كان الجمهوريون يتظاهرون بذلك فقط. الآن، نادرا ما يكلف أي من الطرفين نفسه حتى عناء التشدق بذلك. إن حصل انقسام في السيطرة على الحكومة الأمريكية بعد انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر)، هناك احتمال لأن يضغط ترمب لإقرار مشروع قانون البنى التحتية غير الممول. الولايات المتحدة في أمس الحاجة إلى نسخة حديثة من الموانئ والطرق والإنترنت السريع وأنظمة النقل الجوي. برأيي، ينبغي أن يتم تمويلها من خلال الضرائب، ويفضل أن تكون عن طريق ضريبة الكربون. لكن هذا لن يحصل. الشيء الوحيد الذي ينبغي للأسواق المراهنة عليه هو الارتفاع المستمر في الديون العامة الأمريكية.
إلى أي حد تشكل السياسة المنقسمة في أمريكا خطرا على مكانة الدولار وهيمنته؟ في حال تساوت جميع الأمور الأخرى، يمكن أن تستمر الفوضى التي نشهدها اليوم لعقد آخر أو عقدين. فقد كانت آخذة في التراكم على مدى الفترة نفسها تقريبا. خلافا لإيطاليا، لدى الولايات المتحدة العملة الخاصة بها، ما يعني أنها تستطيع مواصلة طباعة الدولارات على هواها. اليابان، التي على حكومتها المركزية ديون تعادل تقريبا 200 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تشير إلى أنه لا حاجة لأن تتسبب الخسارة في حصول أزمة. لكن العملة الاحتياطية العالمية يجب أن تتبع معيارا أعلى من المعيار الذي تتبعه اليابان.
كما جادل إسوار براساد، سيبقى إيمان المستثمرين بالدولار طالما هم يثقون فقط في المؤسسات التي تقف خلفه. الأسواق تريد سيادة القانون، والاستقرار السياسي، والقيادة العالمية الأمريكية. وترمب يجعل هذه الأمور الثلاثة كلها موضع تساؤل. قد يكون العالم في طريقه للدخول في حقبة العملات الاحتياطية المتعددة، كما يتوقع باري آيتشينجرين. كان هذا مألوفا خلال معظم فترات التاريخ. في فترة ما بين الحربين العالميتين تشارك كل من الدولار والجنيه الساحة مع الفرنك الفرنسي والمارك الألماني. اليوم، قد يكون المنافسون هما الرنمينبي الصيني واليورو. وقد يكون التحول سلسا حتى. لكن من الممكن أيضا أن تعاني الولايات المتحدة صدمة ديون هائلة ـ في حال نشوب حرب ـ أو انهيار مالي آخر بحجم الانهيار الذي حصل في عام 2008. العودة إلى الحمائية يمكن أن تُحدِث أضرارا بالقدر نفسه. عند تلك المرحلة، سوف يتوقف الدولار عن كونه العملة الأهم.
لا نعرف ما هو المسار الأرجح. لكننا نعرف بالتأكيد أن ترمب مصاب بالحساسية تجاه التحولات السلسة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES