FINANCIAL TIMES

شيخوخة السكان تبشر بعهد القادة الشباب

شيخوخة السكان تبشر بعهد القادة الشباب

شيخوخة السكان تبشر بعهد القادة الشباب

شيخوخة السكان تبشر بعهد القادة الشباب

تمخضت اثنتان من أكثر العمليات الانتخابية إثارة للدهشة العام الماضي عن عودة المحارب السياسي المخضرم مهاتير محمد إلى السلطة في ماليزيا وانتخاب سيباستيان كورتز، ذي الوجه الطفولي الذي لم يكن حتى مولودا عندما أصبح مهاتير أول زعيم لبلده، مستشارا للنمسا.
أن يختار بلد متوسط العمر فيه 28.5 سنة زعيمًا يبلغ من العمر 92 عامًا، وأن يأتي بلد آخر متوسط عمر المواطن فيه 44 عامًا (وهو في المرتبة 12 عالميا من حيث كبر عمر السكان)، بزعيم عمره 31 عامًا، لم يكن في مقدمة أذهان معظم الناس نظرا للطبيعة البالغة الأهمية لكلا الانتخابين.
لكن التحليل الأوسع يشير إلى أن هاتين النتيجتين، على استثنائيتهما، قد تكونان من أعراض اتجاه أعمق يمكن أن ينبئ بشيء عن الحالة الراهنة للسياسة العالمية، وتشيران إلى المكان الذي يمكن أن تتجه إليه تلك الحالة.
ستيفن جين، الرئيس التنفيذي وكبير الإداريين المعلوماتيين المشارك في "يوريزون إس إل جي كابيتال" Eurizon SLJ Capital، وهي شركة استثمارية، يرى أن "هناك شيئا كبيرا يحدث في جميع أنحاء العالم وهو ليس مجموعة من الأحداث المعزولة والمتميزة. وجود سكان مسنين لا يعني الشعور بالرضا والقناعة".
بعيدا عن كورتز، شهد العالم المتقدم انتخاب موجة من الزعماء الشباب على نحو غير عادي، ابتداء من إيمانويل ماكرون (40 عامًا) في فرنسا، وجاسينتا آردرن (37 عامًا) في نيوزيلندا، إلى ليو فارادكار (39 عامًا) في إيرلندا، وكاترين جاكوبسدوتير (42 عاما) في أيسلندا، وألكسيس تسيبراس (43 عاما) في اليونان، وجوستين ترودو (46 عاما) في كندا.
مثل هؤلاء القادة قليلي الخبرة يندر وجودهم في الأسواق الناشئة. فإلى جانب مهاتير يوجد عديد من الساسة المخضرمين أمثال رئيس البرازيل، ميشيل تامر (77 عاما) ورئيس نيجيريا محمد بخاري (75 عاما)، ورئيس الفلبين رودريغو دوتيرته (73 عاما)، ورئيس وزراء الهند ناريندرا مودي (67 عاما).
ومع أن هناك بعض الاستثناءات لهذه القاعدة، إلا أن الواضح في الوقت الحاضر هو أن البلدان التي لديها نسبة عالية من المتقاعدين يغلب عليها أن يكون لها قادة أصغر سنا، والعكس صحيح.
صورة الأسواق الناشئة منحرفة إلى حد ما بفعل حقيقة أن أمثال الصين وفيتنام وكوريا الشمالية ليست ديمقراطيات، وبالتالي الشعب لا يختار سن الزعماء. لكن بالنظر إلى أن زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، يبلغ من العمر 34 عامًا فقط، فإن استبعاد هذه الديكتاتوريات من شأنه أن يزيد من متوسط عمر قادة الأسواق الناشئة أكثر حتى من قبل.
تتلخص نظرية جين في أن اختلاف السن ناتج عن التغيرات التي أحدثتها العولمة في سوق العمل. فهو يقول: "مع العولمة والاستعانة بمصادر خارجية، استفادت الشركات المتعددة الجنسيات من انخفاض تكاليف العمالة في أماكن أخرى. وأوجد هذا الكثير من التوتر في المناطق عالية الأجور التي تنطوي على تكاليف باهظة للخدمات والسلع".
ويضيف: "لدينا مزيد من التوتر بين العمالة ورأس المال في العالم المتقدم. في الأسواق الناشئة معظم الناس سعداء بالمؤسسة السياسية، لكن في الأسواق المتقدمة يتم إقصاء العمالة. قد يفسر ذلك سبب القلق الشديد في البلدان المتقدمة. حتى السكان الأكبر سناً غير سعداء ويريدون التغيير".
ويجادل جين بأن هذه الرغبة في التغيير تترجم إلى دعم "المتمردين" المناهضين للمؤسسة السياسية، الذين هم أكثر احتمالا لأن يكونوا من السياسيين الأصغر سنا الذين لم يقعوا تحت تأثير المؤسسة، مثل كورتز وتسيبراس وماكرون، وكذلك لويجي دي مايو (31 عاما) زعيم حركة "خمس نجوم"، التي فازت بأكبر نصيب من الأصوات في انتخابات آذار (مارس) الإيطالية.
ويتابع جين: "كثير من القادة الأصغر سنا هم أبطال التغيير ولا يتناسبون مع قالب المؤسسة"، معتبرا الرئيس الأمريكي دونالد ترم (71 عاما) مثال نادر على المتمردين الأكبر سناً.
بالمقابل، معظم سكان العالم النامي حققوا أداءً جيدا خلال السنوات الـ 20 الماضية أو نحو ذلك، على الرغم من وجود حالات فشل مثل فنزويلا وأزمات دورية في عدد من البلدان الأخرى.
يقول جين: "إنهم يحبون ما رأوه في السنوات الأخيرة. لقد استفادوا من العولمة. في الماضي ربما لم يكن العمال يحصلون على نصيبهم العادل، لكن الآن أصبحت جميع القوارب تطفو عاليا بسبب العولمة".
"وهذا أوجد مزيدا من فرص العمل، وعددا أقل من الناس الذين يريدون هز القارب. الأمر يتعلق في الواقع بالعمالة في الأسواق الناشئة التي تأخذ الوظائف من العمالة في البلدان المتقدمة، ولذلك فهم لا يعترضون على هذا الترتيب".
بعد أن قال ذلك، يقبل جين أيضا بأن الغياب النسبي للسياسيين الناشئين في الأسواق الناشئة قد يكون مدفوعا أيضا بعوامل مؤسسية، حيث غالبا ما تسيطر القوى السياسية المهيمنة كثيرا على عملية التصويت.
سيلفيا دالانجيلو، كبيرة الاقتصاديين في هيرميس لإدارة الاستثمار، تتفق مع هذا التشخيص، مجادلة بأن الأسواق الناشئة "يغلب عليها وجود مؤسسات أضعف أو غير ديمقراطية، ما يسمح للحكام بالتمسك بالسلطة حتى سن الشيخوخة". وتضيف: "تعطينا إفريقيا أوضح الأمثلة؛ لدى القارة أصغر السكان وأكبر الطبقات السياسية سنا".
هذه النقطة إبرزها محمد إبراهيم، الملياردير السوداني في مجال الاتصالات وبطل الحكم الرشيد في إفريقيا، الذي قال على الرغم من أن معظم الأفارقة أقل من 25 عامًا "إلا أن القادة المتقدمين في السن، الجالسين على كراسي متحركة، وبالكاد يستطيعون رفع أيديهم، يحاولون التشبث بالسلطة".
ثانوس باباسافاس، المؤسس وكبير الإداريين الاستثماريين في "أيه بي بي إنفيست" ABP Invest، وهي مؤسسة استشارية وبحثية، يتفق مع هذا، قائلا إن الأسواق الناشئة تسيطر عليها صورة "مزيد من الفساد، والمحسوبية، والأسر القيادية الأكثر رسوخًا"، مقارنة بالعالم المتقدم، ما يجعل الأمر أصعب على الغرباء الأصغر سنا أن يحاولوا الوصول إلى السلطة.
ويعتقد باباسافاس أن الناخبين في البلدان المتقدمة ربما يصبحون أكثر انفتاحا على القادة الأصغر سنا. "في الغرب، نحن على دراية تامة بأصحاب المشاريع الناجحين الذين بدأوا شبابًا للغاية. (هناك أناس) في العشرينات أو الثلاثينات من العمر يديرون شركة ضخمة وآلاف الموظفين"، في إشارة إلى أمثال جاك دورسي، الذي أسس تويتر في سن التاسعة والعشرين، وترافيس كالانيك، الذي أطلق أوبر عندما كان عمره 32 عامًا، وستيف جوبز، الذي كان عمره 21 عامًا فقط عندما أنشأ شركة أبل.
وأضاف: "ربما يرى المجتمع أن كونك أصغر سنا ليس رادعا يحول دون دخولك الحياة السياسية"، معتبرا أن الكفاءة في استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية التي لعبت دورا مهما في حملة باراك أوباما الانتخابية الناجحة عام 2004، عندما كان عمره 43 عاما، ربما تكون عاملا رئيسا آخر.
كما أن ظاهرة احترام كبار السن الشائعة في معظم أنحاء آسيا غائبة إلى حد كبير في الغرب، إضافة إلى أن العالم المتقدم شهد أيضًا ردود فعل عنيفة ضد "الخبراء" في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لذا فإن الخبرة قد تكون الآن أقل منزلة من النشاط الشبابي.
عواقب ذلك غير واضحة، لكن جين يعتقد أن الرغبة في التغيير السياسي في الغرب "قد تؤدي في النهاية إلى إعادة النظر في نماذج السياسة الاقتصادية الحالية".
قال: "هناك انفصال كبير بين السرد الشائع على صعيد التمويل والاقتصاد، من جهة، والتوترات الاجتماعية والسياسية التي تختمر في أجزاء كثيرة من العالم من جهة أخرى".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES