default Author

سوكوشينبوتسو

|
تحمل هذه الكلمة، التي قد تعتقد لأول وهلة أنها خطأ مطبعي، سرا من أسرار البوذيين، فبعد وفاة بوذا "سيدهارتاجوتاما" مؤسس البوذية انتشرت أفكاره وتعاليمه في الهند والصين وامتزجت بالهندوسية ووصلت إلى اليابان في بداية القرن الـ11 الميلادي في منطقة دايو المحاطة بالجبال، حيث كان الرهبان هناك يعيشون حياة الزهد والتقشف في أعالي الجبال، ويمارسون التأمل ويدربون أنفسهم على تحمل أقصى درجات الألم والجوع الشديد لفترات طويلة. فظهرت مدرسة جديدة تدعى الحقيقة أو "فاجريانا" ويحمل أتباعها لقب "شينجن"! نعود إلى سوكوشينبوتسو التي تعني "التحنيط الذاتي"، فهل من الممكن أن يحنط الشخص نفسه؟! نعم، فقد مارس زعماء البوذيين ذلك الطقس منذ القرن الـ11 حتى تم منعه من قبل الإمبراطور ميجي في نهاية القرن الـ19 باعتبارها عملية انتحار، ومع ذلك لم ينتهوا وظلوا يمارسونها سرا! يقال إن السبب في ذلك يعود للراهب البوذي الياباني كوكاي، الذي عاش خلال القرن التاسع. فبعد وفاته بنحو قرنين من الزمن، انتشرت بين أتباعه قصة غريبة تفيد بأن كوكاي حي، وأنه أقدم على الجلوس في وضعية تأمل داخل القبر ليعود إلى الحياة بعد آلاف السنين من أجل مساعدة الناس على بلوغ درجة "النيرفانا" التي تخلو من المعاناة والمؤثرات الخارجية. لذا لجأ الرهبان الذين كبروا في السن يدفعهم شعورهم أنهم محتجزون داخل أجسادهم الهزيلة إلى تحنيط أنفسهم، ويستمر الطقس 1200 يوم على ثلاث مراحل تبدأ باتباع الراهب نظاما غذائيا قاسيا وغريبا لتجفيف جسده والتخلص من الدهون، وتعتبر أهم مرحلة لنجاح التحول فيكتفون بأكل البذور والمكسرات والتوت البري مع ممارسة تمارين قاسية لمدة ألف يوم! في المرحلة الثانية يقتصر طعام الراهب على جذور ولحاء أشجار الصنوبر وشاي اليورشي السام، الذي يفقده السوائل وتترسب سمومه داخل جسده للقضاء على البكتيريا الموجودة داخله لمنع تحلل الجسد بعد الوفاة، ويوقف التمارين ويستبدلها بالتأمل. بعدها يدخل في المرحلة الأخيرة فيتسلق الراهب أحد الجبال ويدخل قبره برجليه ويجلس في وضعية التأمل، ويزود القبر بأنبوب تنفس وجرس يقوم الراهب بقرعه يوميا ليؤكد للمسؤولين بقاءه على قيد الحياة. ومع توقف صوت الجرس، يتأكد المسؤولون من وفاة الراهب، ويفتح القبر بهدف سحب أنبوب التنفس والجرس قبل أن يغلق بشكل تام لفترة تقارب الألف يوم. بعدها يفتح القبر، وفي حال عثر على الجثة سليمة وخالية من مظاهر التحلل، ينقل إلى المعبد لتقديسه بعد أن يكسى بأفخر أنواع الملابس ويكرر ذلك سنويا، ويبخر ضريحه بأجود أنواع البخور. أما في حالة العثور على جثة متحللة فيتم تركها داخل القبر. وفي المقابل يحظى صاحبها بالتبجيل والتقدير لتضحيته. ولصعوبة الأمر لم ينجح سوى 24 راهبا في تحنيط أنفسهم!
إنشرها