Author

أتعس منك

|
قبل عدة سنوات عملت في مشروع قلص عدد ساعات نومي إلى مستويات منخفضة جدا في بعض الأيام. لاحظ أحد زملائي ذلك ووجه لي سؤالا بحضور زميل آخر عن عدد ساعات نومي أمس. فقلت إنني لم أنم سوى ثلاث ساعات فقط. هذا الآخر فاجأنا عندما قال إنه نام أقل منا جميعا وتحديدا ساعة واحدة فقط. إجابة هذا الزميل الآخر جعلتني أراقب سلوكه. وبالفعل لاحظت مع زملائي أنه دائما يفضل استدرار عطفنا ويكون أكثرنا تضحية. وليس ذلك فحسب، فهو لا يقبل سوى تصدر أي نقاش. فيجب أن يكون أكثرنا ذكاء ودهاء وخفة ظل إضافة إلى أكثرنا تعاسة. إذا اندلع الحوار عن السفر. تحدث عن السياحة ليظهر أنه ابن بطوطة المعاصر. وإذا تحدثنا عن الكتب بدا كأنه دودة كتب لا تفارق الصفحات. وإذا استوقفتنا قضية فقهية تصدى لها كعالم دين. كنت أعتقد إلى فترة قريبة أنه من القلائل الذين يتحلون بهذه الصفات التي تجعلهم يتفوقون زيفا على أقرانهم في السراء والضراء، لكن مع مرور الأيام اكتشفت شخصيات كثيرة يعانون هذه المتلازمة. وعثرت أخيرا على اسم هذه المتلازمة وهو One-upper وهو الشخص المهووس بالتفوق عليك في فرحك وترحك. يجد متعة كبيرة في الانتصار عليك حتى لو قام بتأليف الأحداث والروايات. لو استرجعت حادثا مأساويا مر أمامك بحضوره لقام بكل سهولة واحترافية وبراعة وسرعة بكتابة سيناريو لحادث أكثر مأساوية ورعبا ودموية. فيضطر الجميع إلى نسيان حادثك واستذكار حادثه بكل تفاصيله الصادمة. لديه كفاءة عالية في نسج الحكايات والقصص والآلام والإنجازات بلا تفكير أو تأخير. يتمتع بقدرة فائقة على تعكير جوك والفوز عليك. فلا يمكن أن يسمح لك أن تكون الرابح في أي حوار يتوافر فيه. فمتعته الحقيقية في هذه الحياة ألا يجعلك تنتصر حتى لو شفهيا. وهناك إشارات تفيدك بأن من بجوارك مصاب بهذه المتلازمة من ضمنها أنه لا يطيق أن تتحدث عن إنجاز لك. ففور أن تبدأ بالحديث عن إنجازك ينطلق في التقليل منه. كما أنه يعشق أن يكون محورا للاهتمام في أي لقاء يحضره. ويرغب في سرق الأنظار من الآخرين. ويشعرك بأنه مشغول أكثر منك بينما هو مشغول بك. راقب من حولك وستجد عددا غير قليل مأخوذين بأن يكونوا أفضل منك في كل شيء حتى في ألمك. لا تكترث بهم. أشفق عليهم. وامض إلى الأمام. تسلح بعملك ومهاراتك ودعهم ينشغلون بك وغيرك.

اخر مقالات الكاتب

إنشرها