Author

علاوة حسب الأداء

|
أكدت التطورات الأخيرة إقرار ربط العلاوة السنوية بالأداء الوظيفي كمطلب حتمي لتحسين وضع مستوى الخدمة والأداء. لم يكن هذا أمرا مفاجئا، ولكنه جدد ردة الفعل الممانعة التي تظهر على الأقل قلقها من كيفية تنفيذ هذا الأمر بطريقة عادلة ومنصفة. ولمن يعترض ويقاوم بعض الحق؛ إذ إن الانتقال كبير جدا من فكرة الوظيفة كمحطة استقرار دائمة خالية من المخاطر مع علاوة سنوية مضمونة، إلى مهمة إنتاجية لا تختلف فعليا عن وظائف القطاع الخاص في المنافع والمخاطر، وتخضع لاحتماليات الفصل وأساليب التحفيز تماما كغيرها. مَن يراقب ردود الفعل في نقاشات المحطات الإذاعية ووسائل التواصل الاجتماعي، يجد أن الاعتراض الكلي على إلغاء العلاوة السنوية الثابتة والتشبث بفكرة الحق المكتسب، ينتقل أثناء النقاش إلى اعتراض مبدئي على آليات التقييم غير العادلة. هذا التحول في الموقف يوضح لنا بشكل جيد أحد أكبر تحديات تنفيذ هذا التغيير المهم. مبدئيا، لا يرى الممانعون أي خطأ في فكرة ربط العلاوة بالأداء، ولكن الخطر لديهم في وجود تطبيق غير عادل لعملية تقييم الأداء. ببساطة، الأداء الجيد شرط لزيادة الراتب، ولكن كيف تضمن أن مديرك سيعترف بأدائك الجيد؟! هذا القلق - في نظري - قلق مشروع؛ إذ إن التقييم عملية مهمة، لكن يصعب تنفيذها بدقة عالية، وتواجه تحديات كبرى حتى في البيئات المعتادة عليها، فكيف عندما يتم تنفيذها بشكل جديد، ولهدف جديد، وبمستوى مختلف من الجدية؟ أشرت في مقال سابق بعنوان "تقويم الأداء.. تطورات في الاتجاه الخاطئ" إلى أن المنظمات العالمية اليوم بدأت تبتعد عن التقييم السنوي التقليدي، وتتجه إلى أساليب أكثر حيوية ومرونة ودورية. وكانت مشكلة التقييم التقليدي ترتبط أساسا بفاعليته؛ إذ إنه لم ينجح في مواءمة سلوك الموظف وإنتاجيته مع أهداف المنظمة. لهذا تنتهج اليوم المنظمات الجديدة أساليب مبتكرة لتقييم الأداء، تقوم على التفاعل المستمر مع الموظف، والتحقق من التقييم بأكثر من طريقة، والرفع المستمر والدائم بالنتائج، وليس المراجعة الدورية من فترة إلى أخرى لعموميات وتصورات المدير المباشر. من الضروري مناقشة مستوى الوعي التقييمي لدى المديرين، ومدى القدرة على تنفيذ برامج التقييم بشكل عادل يرضي جميع الأطراف، وهذا يشمل جاهزية هؤلاء المديرين الذين سيقومون بهذا الدور، وجاهزية الإجراءات والأدوات لاستيعاب الاحتياج وتحقيق الهدف. لهذا تحدثت الوزارة عن الجانب المؤسسي، الذي يرتبط برأس المال البشري، وتطوير مفاهيم وتطبيقات الموارد البشرية داخل المؤسسة. وهذا في الحقيقة أمر مهم، ولا يقتصر فقط على فريق الموارد البشرية وتجهيز قياداته وإدارة المواهب داخل المنشأة، بل إن إدارة الموارد البشرية بصفة عامة تقوم على الدور التوعوي الذي يقوم به هذا الفريق مع جميع قيادات المنشأة. على سبيل المثال، ثقافة المدير "المقيم" الإرشادية، وقدرته على فهم احتياجات الموظف التطويرية، وإجادته مهارات التواصل ومهاراته الفنية مطلب أساسي لتحقيق نتيجة إيجابية أثناء القيام بعملية التقييم. لن تصنع هذه الثقافة في بضعة شهور، ولن يقفز أداء الموظفين، ولن يتقبلوا وسائل الضبط والتقويم الجديدة كما هي من دون مقاومة. الأمر يتطلب بعض الوقت. تتجه وزارة الخدمة المدنية بأنشطتها نحو صنع سياق تحفيزي جديد بالكامل؛ إذ أشارت كذلك إلى مكافآت الأداء التشجيعية للموظفين المجدين. ومع تحسن محفزات العمل في القطاع الخاص، ربما نرى تقلص الفوارق بين جودة الأداء المتوقع والعوائد من العمل في الوظائف بجميع أنواعها، لكن هذه التطورات تحتاج إلى قدر كاف من الوقت، ربما بضع سنوات على الأقل. لذا، من العدل كذلك أن يتم التدرج في التطبيق وفي إحداث الأثر.
إنشرها